يجازف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بسمعة بلاده وتعرضه للهجوم بصدور قرار من اللجنة العليا للانتخابات بإلغاء نتائج الانتخابات البلدية فى دائرة إسطنبول، أكبر مدن تركيا وعاصمتها الاقتصادية؛ 60% من اقتصاد تركيا و20% من السكان، وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم قد طعن على نتائج الانتخابات فى إسطنبول وطلب إعادة الفرز، لكن الفرز الثانى أكد فوز المعارضة مجددا، وهو ما أثار مخاوف أردوغان من أن تكون خسارته فى العاصمة السياسية أنقرة والعاصمة الاقتصادية إسطنبول مقدمة لخسارته مقعد الرئاسة، خاصة أنه الذى قاد الحملة الانتخابية بنفسه، رغم أن موقع الرئاسة بفرض عليه البعد عن المعارك الحزبية، لكن لأنه يريد جمع كل السلطات فى يديه، فقد اعتقد أن وجوده على رأس الحملة سوف يضمن لحزبه النجاح، خصوصا فى إسطنبول التى صعد منها أردوغان إلى قيادة تركيا عندما تولى منصب عمدة إسطنبول، والمؤكد أنه يعتقد بحقيقة المثل الشائع »إن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا«، فإسطنبول هى تركيا المصغرة، لأنها خليط من جميع الأعراق والأحزاب. ردود الفعل الغاضبة على القرار المتعسف بإعادة الانتخابات جاءت من أحزاب المعارضة التى نظمت مظاهرات فى إسطنبول ضد القرار، الذى وصفته بأنه غير مبرر وخطير على مستقبل الديمقراطية فى تركيا، ويؤكد النزوع نحو الديكتاتورية، وامتد الغضب إلى داخل حزب العدالة والتنمية عندما انتقد أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية الأسبق السياسات التى أدت لخسارة الحزب للانتخابات، ومنها التحول إلى النظام الرئاسي، والتحالف مع حزب الحركة القومية والابتعاد عن السياسة الليبرالية الإصلاحية، وهو ما أثار مخاوف المستثمرين، وأن إسناد الوظائف يعتمد على الروابط الشخصية وليس على الكفاءة. أما على الصعيد الخارجى فكانت وزارة الخارجية الألمانية أول من انتقد إلغاء نتائج الانتخابات فى إسطنبول، ووصفته بأنه قرار غير مفهوم وضربة للديمقراطية، وهكذا يتضح أن القرار سوف يجر على أردوغان متاعب تفوق أى مكاسب، خصوصا أن جميع استطلاعات الرأى التى تجرى يوميا فى إسطنبول تؤكد أن مرشح حزب العدالة والتنمية سيخسر الانتخابات مجددا لصالح المعارضة، وهو ما يعنى إساءة مهينة للرئيس أردوغان وحزبه، ولهذا يتردد أنه لن يسمح بأن يخسر الانتخابات بأى وسيلة، وبهذا يدخل أردوغان أزمات جديدة تقوض من شرعية النظام وتدفع تركيا نحو الفوضى وعدم الاستقرار، خاصة أنها تواكب أسوأ أزمة اقتصادية، مع ديون تجاوزت 480 مليار دولار، وتراجع جديد فى سعر الليرة، ومؤشرات على اتساع الخلافات مع الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبي، وهكذا يكون أردوغان قد دخل حربا طاحنة على مختلف الجبهات الداخلية والخارجية، ستؤدى إلى تصدعات داخل الحزب الحاكم الذى تعلو فيه أصوات المتمردين، وسط توقعات بتشكيل حزب جديد يضم الرئيس السابق ومؤسس الحزب الحاكم عبد الله جول ومعه أحمد داود أوغلو وعدد من قيادات الحزب التى بدأت توجه انتقاداتها علنا للرئيس أردوغان، ولهذا فإنه يدفع حزبه إلى أزمة عنيفة، تزيد من قتامة الأوضاع السياسية والاقتصادية فى تركيا.