هناك سلع تجارية غير مادية أو ملموسة، ورغم ذلك فهى الأغلى والأعلى ثمناً.. أشياء مثل العلامة التجارية، رقم تليفون أو سيارة مميز، حق الملكية الفكرية، موجات الاتصال، الفكرة، الخبرة، الموهبة.. كلها أشياء معنوية لكنها ثمينة. وفى عالمنا العربى لا توجد مهنة اسمها مثقف.. والأديب أو الشاعر أو الروائى إذا لم يقدم له أحد دعماً مادياً ما، فسيعيش مفلساً لو لم تكن له مهنة حقيقية يتكسب منها.. هذا الحال كان سائداً فى بلد مثل أمريكا منذ عقود قليلة مضت. والأديب الأمريكى «وليم فولكنر» الذى نال جائزة نوبل فى الأدب عام 1950م كانت له نصيحة مهمة يقولها للأدباء الجدد: « أن الأديب فى بداية عهده بالكتابة، قبل أن يصيب نجاحاً ما، لا بد له من عمل آخر يكتسب منه عيشه». هذه النصيحة لا يحتاجها الأديب العربى لأنه يعلمها سلفاً، وهناك أدباء ظلوا طوال أعمارهم يكتبون دون أن يكسبوا من الأدب مليماً واحداً، بل وربما أنفقوا عليه أموالاً هم فى أمَسّ الحاجة إليها. المنتجات الثقافية والإبداعية والابتكارية فى جوهرها سلع معنوية قد تحظى بالفرصة والقبول الجماهيرى فتغدو كالعلامة التجارية القيِّمة، أو تظل معروضة ويلفظها السوق، فتذوى وتكسد، ما يعنى أنها منتجات خاضعة لقوانين العرض والطلب، وكأى سلعة تجارية لابد لها من تسويق ودعاية وترويج، وقبل ذلك لا بد من دراسة السوق ومتطلباتها وسعتها وشرائح العملاء المستهدفين.. إلى آخر متطلبات أى سلعة تجارية أو صناعية أخرى. اللوحات العالمية باهظة الأثمان تمثل بالنسبة لمقتنيها استثماراً، لأن قيمتها تزيد مع الوقت، وقد يكون الاستثمار فى لوحة لدافنشى أهم من الاستثمار فى الذهب، تلك اللوحات لم تنل قيمتها تلك بين يومٍ وليلة، وبعض الرسامين العالميين مات فقيراً، فى حين تباع لوحاته اليوم بملايين الدولارات! فالسوق الاستهلاكية سوق متحركة تعلو وتهبط طبقاً لقواعد تسويقية وحسابات ودراسات مسبقة، بعض البضائع قد تعانى كساداً بعض الأيام، ثم لسبب ما تعلو قيمتها وتتحول إلى بضائع عالية القيمة، ربما بالصدفة، وربما بفضل النشاط الترويجى الذى جذب المستهلكين المناسبين للمنتَج المعروض. الثقافة صناعة، لأنها قائمة على منتجات استهلاكية تصاغ فى مطابع ودور نشر وشركات وستديوهات ومكاتب فنية، والعنصر الأهم بها هو صناعة المبدعين لا المنتجات، لأن المبدع هو آلة الإنتاج، والمنتَج الثقافى باعتباره يخضع لموازين السوق والسلع الاستهلاكية، لذا فالثقافة تجارة أيضاً.. ليس بالنسبة للمبدع، وإنما لمستغليه، أما المبدع فيعتبرها عملاً خيرياً حتى يثبت له العكس!