المال هو أحد المقاصد الضرورية فى حياة البشر، ومِن ثَمَّ عُنيت الشريعة بكل ما يتعلق به كسبًا أو إنفاقًا أو توريثًا، فجاءت بالأحكام الخاصة بكل جانب من هذه الجوانب، عملاً على حفظ مال الأمة وتوفيره لها، باعتباره -وإن كان فى الظاهر- مال البشر، فهو - فى حقيقة الأمر- مال الله، الذى استخلف الإنسان عليه. ولمَّا كان المال -على وجه الإجمال- هو حق للأمة كلها، يعود نفعه عليها، فقد عملت الشريعة على ضبط نظام إدارته بأسلوب يحفظه، موزعًا بين الأمة بقدر المستطاع، حتى لا تقتصر دورة رأس المال على الأغنياء وحدهم، وإنما تشمل -أيضا- الفقراء، ?كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ? (لحشر: 79 ) ومعنى دولة: متداولا، بين الأغنياء فقط. أما المقصد الشرعى فى الأموال فيرجع إلى خمسة أمور: رواجها، ووضوحها، وحفظها، وإثباتها، والعدل فيها. فالرواج هو دوران المال بين أيدى أكثر مَن يمكن مِن الناس بوجه حق، وهو مقصد عظيم شرعي، دَلَّ عليه الترغيبُ فى المعاملة بالمال، ومشروعيةُ التوثيق فى انتقال الأموال من يد إلى أخرى ، ففى الترغيب فى المعاملة جاء قوله -تعالي-: ?وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ? (المزمل: 20)، وقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: “ما من مسلم يزرع زرعًا، أو يغرس غرسًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة” (متفق عليه). ومن وسائل رواج الثروة القصد إلى استنفاد بعضها، وذلك بالنفقات الواجبة على الزوجة والأقارب، فلم يترك ذلك (الإنفاق) لإرادة القيِّم (القائم) على العائلة، بل أوجب الشرع عليه الإنفاق بالوجه المعروف، وهو مما شمله قوله تعالي: ?وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ?، كذلك فإن مِن وسائل الرواج تسهيل بعض المعاملات بقدر الإمكان، مثل العقود والمعاملات التى تشتمل على بعض الغرر (الجهالة)؛ قصدًا فى جميع ذلك إلى تسهيل المبادلة لتيسير حاجات الأمة. أما وضوح الأموال فذلك إبعادها عن الضرر والتعرض للخصومات بقدر الإمكان؛ ولذلك شرع الإشهاد والرهن فى التداينن ، وأما حفظ الأموال فأصله قوله -تعالي-: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ? (النساء: 29)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه» (أخرجه أحمد)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “مَن قُتل دون ماله فهو شهيد” (متفق عليه)، فهذا تنويه بشأن حفظ المال، وحافِظه، وعِظَم إثم المعتدى عليه، وإذا كان ذلك حكم حفظ مال الأفراد فحفظ مال الأمة أجل وأعظم. أمَّا إثبات الأموال فمعناه أن تكون ملكًا خاصًّا لأصحابها، لا ينازعهم فيها أحد، والغرض من ذلك أن يكون صاحب المال حُرَّ التصرف فيما تملَّكه، أو اكتسبه، تصرفًا لا يضر بغيره ضررًا معتبرًا، ولا اعتداء فيه على الشريعة، ولذلك حُجِر على السفيه التصرف فى أمواله، ولم يجز للمالك أن يفتح فى ملكه ما فيه ضرر بمالك آخر مجاور له، ومنعت المعاملة بالربا؛ لِما فيه مِن الأضرار العامة والخاصة.