تهل علينا كل عام ذكرى الإسراء والمعراج العطرة لتذكر المسلمين أن المحن والشدائد يتولد منها المنح والفضائل والفرج بعد الضيق شرط الأخذ بالأسباب، كما أخذ النبى - صلي الله عليه وسلم - بالأسباب فى تلك الرحلة العظيمة ، كما تؤكد هذه المعجزة أنها فقط من خصائص الأمة المحمدية لبيان منزلة الحبيب صلى الله عليه وسلم عند خالقه - عز وجل - حتى سميت بها سورة وهى سورة الإسراء التى بدأت بتنزيه الذات العليا ولم ينسب الإسراء للنبى صلى الله عليه وسلم أو لآحد بل أسندت الإسراء للواحد الأحد حتى لا يشك أحد فيها وأدخله فى دائرة العبودية وهى من الصفات الراقية لترد على الافتراءات التى أطلقها أعداء الإسلام وحاولوا من خلالها التشكيك فيها. كما تذكر الأمة كل عام بمكانة المسجد الأقصى ثالث الحرمين ونهاية الاسراء وبداية المعراج وكأنة بلسان الحال يستصرخ العالم الذى يموج بالفتن وظواهر العدوان ويناشد الأمة بأن تكون على قلب رجل واحد. ويؤكد الشيخ عبد الناصر بليح من علماء وزارة الأوقاف أن رحلة الإسراء والمعراج مليئة بالعبر والدروس التى تعود على الأمة بالخير والنفع فى حاضرنا ومستقبلنا فهى مثلا تعطينا درسا فى عدم اليأس وعدم الاستسلام لواقع نكد، وأن المؤمن موطن على انتظار الفرج، وعلى اليقين بيسر يعقب العسر، وقد كانت معجزة الاسراء والمعراج فى منتصف السنة الحادية عشرة من البعثة فى وقت تلاطمت فيه أمواج العناد والتكذيب والإيذاء لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ولصحابته الكرام وحاول صلى الله عليه وسلم دخول مكة بعد عودته من الطائف ولم يستطع دخولها إلا فى حماية رجل من المشركين هو المطعم بن عدى فكان النور بعد الظلام والفرج بعد الشدة، فإذا كانت أبواب مكة أغلقت دونك فها هى أبواب السماء قد فتحت لك يا محمد، إذا كنت قد دخلت مكة فى جوار رجل من المشركين. ففى جوارك يصل إلى حضرتى جبريل الأمين يا محمد إذا كان أهل مكة قد رفضوا اتباعك فإن الأنبياء قد اصطفوا فى بيت المقدس يصلون خلفك يا محمد، إذا ضاق بك الفضاء فمرحبا بك فى السماء. ولو أسقطنا هذا الدرس على واقع الأمة الآن لأفادنا ثقة فى الله لا حدود لها وأن ما يبعث من خوف وقلق على مستقبل مصر والأمة الإسلامية ممكن تغييره بإرادتنا بتغيير سلوكنا وأنفسنا ثقة فى سنة الله لقوله تعالى «إن مع العسر يسرا» وجاء المسجد الأقصى واسطة للعقد فى قلب الرحلة فكان نهاية لرحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وبداية لرحلة العروج من الأرض إلى السماء ورغم أن مكانة المسجد الحرام تفوق مكانة المسجد الأقصى، فان الأخير كان فى قلب الرحلة وكانت الصلاة بالأنبياء فيه وليس فى المسجد الحرام، لأن الله تعالى فى سابق علمه ما سيتعرض له المسجد الأقصى من محاولات استيلاء واحتلال وحصار فأورد الله ذكره فى القرآن وجعله فى قلب الرحلة وكأن الله تعالى يقول لكل المخاطبين فى القرآن اجعلوا الأقصى فى قلوبكم كما جعله فى قلب الرحلة. ويقول الدكتور نوح العيسوى مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف إن ذكرى الإسراء والمعراج تعتبر من المعجزات التى غيرت الكثير من الأحداث منذ بداية الدعوة فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهناك من رسخ دينه، وهناك من تردد عنه لأنه لم يصدق بشرا عاديا يقطع هذه المسافات فى ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ويعود فى ذات الليلة ولذلك كانت هذه الرحلة والمعجزة اختبارا وتمحيصا لمن آمن وابتلاء كذلك لكبار الصحابة وأيضا كانت للكافرين آية من آيات الله أنكروها وزادوا فى سبهم وشتمهم والله يؤكد فى كتابه بشكل قاطع أنها كانت رحلة ربانية ومعجزة، حيث ذهب إلى بيت المقدس من البيت الحرام وعاد إليه فى ليلة واحدة. والملاحظ يجد أن الله قد ربط بين المسجد الحرام والأقصى فى هذه الرحلة المعجزة مما جعل الاقصى بداية لرحلة العروج إلى السماء ثم العودة إليه ثم العودة إلى المسجد الحرام وكذلك ربط الله تعالى بين المسجدين التاريخ الذى بنى فيه المسجدان والمسافة التى بينهما 40 سنة كما جاء فى الحديث وأكد العلماء أن الذى بنى المسجد الحرام هو الذى بنى الأقصى فبينهما وشائج قوية فإنه لا ينبغى التفريق بينهما على الإطلاق وأن يظل المسجد الحرام حرا طليقا وأخوه التوءم فى الأسر يعانى من ويلات القهر والتدنيس من هؤلاء اليهود الذين يدنسونه فى الليل والنهار. ويؤكد أن هذه الرحلة المعجزة تدعو جميع المسلمين إلى أن يظلوا متمسكين بحقهم الذى لا يجوز الحياد عنه، مشيرا إلى أن رحلة الإسراء والمعراج كانت مليئة بالدروس التى تؤكد استمرار محاولات أى داعية فى توصيل دعوته مهما كانت الصعاب انطلاقا من موقف الطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبره وتحمله للآلام ومقابلة أذاهم بالدعاء لهم بقوله صلى الله عليه وسلم «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون» كما أن موقف السيدة خديجة فى حياة الرسول يدعو كل سيدة إلى الوقوف بجانب زوجها. ويؤكد الدكتور جابر طايع رئيس القطاع الدينى أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوضح لهذه الأمة من ذكرى الإسراء والمعراج مكانتها ورفعتها وعلوها وأنها لن تسقط إلى يوم القيامة فمعراج الرسول دل على صعود هذه الأمة كما أن الأمة يجب أن تدرك أن مع العسر يسرا فبعد الضيق فرج وها هو سيد المرسلين تتحول محنته إلى منحة وعلى المسلمين أن يعلموا أن المسجد الأقصى أمانة تسلمها النبى من جميع الأنبياء حينما صلى بهم إماما فوجب على الأمة أن تحافظ على هذه الأمانة ويختتم الدكتور أسامة قابيل من شباب علماء الأزهر الشريف أن التاريخ يروى لنا فى أنصع صفحاته أن معجزة الإسراء معجزة خالدة لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم يتعلم منها المسلمون الدروس والعبر على مر العصور ولم يتوقف العطاء منها إلى يوم الدين لتؤكد أنه ما من تكليف إلا ويتبعه تشريف فكلف صلى الله عليه وسلم بالدعوة فقام بها على الوجه الأكمل فشرف بعد ذلك بالأسراء فيا ليت أبناء الأمة شبابها ورجالها ونساءها يقوم كل منهم بواجبه المنوط به سواء واجبا وظيفيا أو وطنيا أو أسريا أو حقا إنسانيا حتى يأتى إليهم التشريف كما تؤكد معجزة الأسراء أيضا أن الثبات على المبدأ والصبر طالما كان الإنسان واثقا فى ربه فقد ظل النبى صلوات الله عليه 13 عاما بمكة وعندما لم يجد قبولا من أهلها خرج إلى الطائف لعله يجد من ينصره لتتعلم الأمة منه صلى الله عليه وسلم قيمة الصبر والثبات على الحق وعدم العجلة والاستعجال فالصبر مر مذاقه ولكن عواقبه أحلى من العسل.