تكتسب قضية( الثقافة) في عصرنا أهمية خاصة, ترجع إلي عدة عوامل يأتي علي رأسها سياسة( العولمة) التي تهدف إلي نشر وفرض نمط ثقافي معين علي كل سكان المعمورة, الأمر الذي يؤدي إلي إلغاء( التنوع) الثقافي الذي يثري التجربة الإنسانية ويأخذ بيدها إلي توسيع مجال المشترك الإنساني لمواجهة المخاطر التي تهدد الجميع, وفي الوقت نفسه يمثل فرصة للثقافات المختلفة للقيام بعمليات مراجعة وتجديد لاكتشاف مواطن الضعف ومعالجتها ولسلوك طريق آخر تبتعد فيه الإنسانية عن دائرة( الصراع) بين الحضارات أو الثقافات وتقترب من دائرة( الحوار) للاستفادة من ثقافة الآخر في تشكيل نموذج إنساني أفضل. ومما يؤكد أهمية الثقافة أنها لم تعد- كما كان يتصور بعض الناس- ترفا أو رفاهية أو أشياء يمكن الاستغناء عنها إذا ما قورنت بأدوات الإنتاج أو بعناصر القوي الرئيسية لكل من الفرد والمجتمع, إذ يؤكد الواقع العملي- في عصرنا- علي أن الثقافة إحدي أهم عناصر القوة للمجتمع مثل القوة العسكرية أو الاقتصادية, إن لم تكن أهم منهما لأن القوة الاقتصادية والعسكرية تعتمد علي( الثقافة) أكثر مما تعتمد علي أدوات الإنتاج أو أنواع الأسلحة, فالعامل غير المثقف والجندي غير المثقف, يمثل كل منهما نقطة ضعف كبري في البناء الاقتصادي أو العسكري. وهكذا أصبحت( الثقافة) من أهم وأخطر أدوات الحضور الإنساني علي المسرح الدولي, لكن الذي ينبغي أن نلتفت إليه هو أن الثقافة لا تقتصر اليوم علي الفنون والآداب, وإنما تمتد إلي منظومة القيم والأخلاق التي تسهم في بناء المجتمعات, وتعديل أنماط السلوك الإنساني في بما يحقق أهداف الدول والشعوب في حياة إنسانية كريمة. ومن ينظر في المجتمع المصري أو العربي الذي توجد فيه أديان متعددة, يجد أن القيم والأخلاق الدينية تحولت- بفعل عنصر الزمن والحركة الإنسانية- إلي قيم ثقافية, فتحول مفهوم( الحرام) الديني إلي مفهوم( العيب) الاجتماعي, وتحول مفهوم( الإحسان) إلي مفهوم( الجودة) وتحول مفهوم( العمل الصالح) إلي( العمل الخدمي) الاجتماعي وبذلك صار( الدين) ثقافة عامة تسري في أوصال المجتمع, ولا تتوقف عند مجرد أداء الشعائر الدينية, ومن ثم صار الدين- بهذه الطريقة- عنصرا من عناصر المحافظة علي الاستقرار وتحقيق السلم الاجتماعي والقوة المجتمعية. ولا شك أن من أهم القيم الدينية التي أشار إليها القرآن- في آيات عديدة تجاوزت المائة آية- قيمة( الخير) التي تشير إلي معني الأحسن أو الأفضل في كل شيء, الأحسن قولا وعملا ودعوة وطلبا, كما أن لفظ( الخير) يحتوي علي كل ما فيه مصلحة ونفع للإنسان, وكل ما يجنبه الضرر والأذي, فكل ما يفتح طريقا إلي الأحسن هو خير, وكل ما يغلق بابا من أبواب الشر والأذي هو خير, وبذلك يمكن القول إن الخير وعمل الخير مقصد عام من مقاصد الشريعة.