اليوم ذكري وفاة حافظ إبراهيم, الذي توفي عام1932 في العام نفسه الذي رحل فيه أحمد شوقي, حسنا فلنتحدث عن حافظ وشوقي, أو المواطن والبرنس. في قصة الأرنب والسلحفاة الشهيرة فازت السلحفاة بالسباق, لأنها اجتهدت في مقابل كسل الأرنب واستهتاره بما لديه من مواهب بينما نظرة علي قصة العلاقة التي جمعت بين الشاعرين العتيقين, تجعلنا نعتقد ان السلحفاة قد تفوز علي الأرنب إذا كانت قريبة من السلطة, وكان الأرنب مواطنا عاديا اسمه محمد حافظ ابراهيم. من حيث الإمكانيات والموهبة, يمكنك أن تتحدث كثيرا عن حظوظ حافظ ابراهيم ذي الذاكرة الأسطورية, والذائقة الشعبية, والميل إلي الفكاهة, والقدرة اللانهائية علي الإلقاء( الوعاء الأنسب للشعر الكلاسيكي الغنائي), في مقابل تهتهة شوقي بك, وثقافته الخليط بين الأب الكردي والأم التركية والجدة الشركسية والأخري اليونانية هذا الخليط الذي انتهي به شاعرا ينتمي إلي العصر العباسي أكثر من انتمائه إلي القرن العشرين! ربما كان هذا في بداية حياتهما, أما بمرور الوقت فيكفي ان نعلم ان الأمير توفيق, الذي اصبح الخديو, كان حائرا في توفير أفضل فرص التعلم والعمل لشوقي بك, وفي اللحظة نفسها كان خال حافظ إبراهيم حائرا أيضا, ولكن في طريقة للتخلص من ابن اخته الذي يمثل عبئا عليه, حتي ان حافظ ترك له المنزل برسالة توديع من بيتين ييختما بأنه متوجه في داهية, ولم يتدخل الخال ولو بالبحث عن الداهية التي ذهب إليها شاعرنا الكبير. وفي الوقت الذي يتوجه فيه شوقي لدراسة الحقوق شمالا في فرنسا, بعد ان درس الحقوق والترجمة في مصر, كان حافظ يتوجه جنوبا إلي السودان ضابط صغيرا في الجيش لمواجهة الانقلابات هناك, ويعود مفصولا قبل أن يتوسطوا له للعودة مرة أخري, قبل الفصل النهائي علي خلفية تأييده لعرابي الذي كان شوقي يصف هوجته بأنها هوان في الذهاب وفي الإياب. وهكذا تسير الحياتان, حياة تطيع صاحبها وتسير كما يهوي, حتي إنه تعرض لإجازة إجبارية من الوطن لا نسميها نفيا باعتباره أحد رجال الخديوي, فتركوا له حرية اختيار البلد الذي يذهب اليه وقضي ستة أعوام مرفها في اسبانيا التي يعتبرها الكثيرون أروع البلدان الأوروبية, كانت هذه حياة شوقي, وحياة أخري, تقود صاحبها إلي ما تريد هي فيظل ثمانية أعوام بلا عمل, وحتي عندما توسط شوقي بك بنفسه للعمل في جريدة الأهرام, ترفض الجريدة لأنه مصري ذو ميول مصرية عربية, وهي لا تريد إغضاب الإنجليز, وهكذا عندما وجد حافظ نفسه مديرا لدار الكتب عام1911, فقرر الانتقام, وعلي ما يبدو فإنه انتقام العاجزين لا يكون إلا باليأس(!) فلم يقرأ عبر22 عاما كتابا واحد من الكتب التي يتولي إدارة دارها, وعبر هو عن هذا اليأس المنتقم بأنه خاطب مصر قائلا: حطمت اليراع فلا تعجبي وعفت البيان فلا تغضبي فما أنت يا مصر دار الأديب ولا أنت بالبلد الطيب. امتلك حافظ الملكة الفكاهية, فكتب شوقي قصص الأطفال والمسرحيات الشعرية وكان أول من كتبها, تمتع حافظ بالحس الشعبي, فتغني عبدالوهاب بأغاني شوقي التي كتبها بالعامية وأشهرها في الليل لما خلي لم يكن هناك أبرع من حافظ في إلقاء الشعر, فأصبحت أشعار شوقي هي أخصب مادة لهواة الإلقاء من عبدالوارث عسر وحتي الآن ولد حافظ علي متن سفينة في النيل, وعاش شوقي علي ضفافه, في منزل تحول إلي متحف يحتوي أوراقه وتمثاله الذي نحته الفنان جمال السجيني, وإجمالا عمل حافظ كثيرا من أجل مصر, بينما مصر تكرم شوقي بكل انواع التكريم وعلي اختلاف العصور. ونختم بمشهد بالغ الدلالة من حفل تتويج شوقي أميرا للشعراء حين ذهب الشاعر محمود أبو الوفا مؤلف عندما يأتي المساء مرتديا جلبابا ومتكئا علي عكاز رفض شوقي دخوله بهيئته تلك, لكنه عندما لمح شبه إجماع علي شعبيته سمح له بالدخول, بل وجعله يصعد إلي المسرح يلقي قصيدة, بل إنه كتب في تحيته شعرا!! أين كان حافظ في كل هذا؟ لقد كان يعد القصيدة التي يبايع فيها شوقي.. أميرا للشعراء.. وربنا يرحم الجميع.