عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول اللهصلي الله علية وسلم: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا, وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم. (قد أفلح من أسلم)ذكر النبي- صلي الله عليه وسلم- ثلاث خصال علق بها الفلاح,( من أسلم)فإن الإسلام تحصل به السعادة في الدنيا والآخرة, وعلي قدر إسلام العبد علي قدر ما يحصل له من الفلاح, لأن النبي- صلي الله عليه وسلم- علقه بذلك(قد أفلح من أسلم)والحكم المعلق علي وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه, فعلي قدر إسلامنا الوجه والقلب والجوارح واللسان لله- تبارك وتعالي- علي قدر ما يكون عندنا من الفلاح, وينقص من فلاح الإنسان بحسب ما نقص من إسلامه. والأمر الثاني:(رزق كفافا), الكفاف, فسره بعض أهل العلم بأنه: يجوع يوما, ويشبع يوما, وأحسن ما يفسر به- والله تعالي أعلم- هو ما قاله القرطبي- رحمه الله- من أن الإنسان يجد ما يدفع ضروراته وحاجاته. وقال البعض( رزق كفافا)من غير زيادة تصل به إلي حد أهل الترف, فالذي رزق كفافا هو الذي يجد ما يدفع ضرورته ولا يحتاج إلي الناس في أمور المعاش الأساسية من المأكل, والمشرب, والمسكن, واللباس ونحو ذلك, دون أن يصل به إلي حد أهل السعة, والثراء, والعرض الكثير من الدنيا. فإذا حصل للإنسان هذا استغني عن المخلوقين; لأن الحاجة إليهم مذلة, ثم إن الإنسان إذا كان لا يجد شيئا يأكله, ولا يطعم عياله, فإن هذا الجوع والفقر يقلقه ويشغل فكره, فإذا حصل للإنسان الكفاية فهذا لا شك أنه هو المطلوب, أما الزيادة فإنها مشغلة من جهة, ينشغل بهذا القدر الزائد, أين يصرفه, وماذا يفعل به. و(قنعه الله بما آتاه) قنعه الله; لأنه إن رزق كفافا من غير قناعة فهو في قلق دائم, وإن رزق رزقا واسعا لكن من غير قناعة فهو في قلق دائم, فقلبه مشغول وجوارحه مشغولة في طلب الزيادة, فالقناعة- كما قيل- كنز لا يفني.