شكرا لشركة الكهرباء أكرم الله مسئوليها لأنها جعلتني أكتب لكم هذا المقال المبهج علي ضوء الشموع فالكهرباء انقطعت كالعادة ولكنها في هذه المرة ذهبت من الظهر ولقرب الفجر. الآن لم تعد. ولانقطاع الكهرباء فوائد عظيمة فهي تعيدنا رغما عنا للرومانسية والأصالة وزمن الفن الجميل وتعلمنا أشياء مهمة ونافعة. الرومانسية: نعود اليها مضطرين, خاصة إذا كنا من قدامي المتزوجين, باللجوء إلي الشمع للإضاءة, وياحبذا لو كان الشمع ملونا ويتوسط مائدة العشاء. الأصالة والعراقة: لو لجأت إلي لمبة الجاز, فهي ستحرك وجدانك وتهيج مشاعرك الدفينة, وتملأك بالشجن الشجي وأنت تراقب لسان اللهب المهبب, وتتداعي في عقلك الباطن صور الفلاحين الغلابة زمان والتلاميذ والطلبة الذين هاجروا من القري والنجوع في الريف والصعيد إلي القاهرة للدراسة بالجامعة وكل هؤلاء كانوا, ومازال بعضهم, حتي الآن, يعتبر لمبة الجاز وسيلة الإنارة لديه. وزمن الفن الجميل: ستشعر بأنك بداخله, وكأنك في أفلام الأبيض والأسود عندما تطل من النافذة فلا تري إلا سوادا في سواد, بدرجات متفاوتة.. ويخيل انك تتابع كوميديات وتراجيديات وأكشنات سينما زمان, وتضحك وتتألم وتنفعل مع مشاهد من أفلام اسماعيل ياسين وأنور وجدي وأمينة رزق وفاتن حمامة ومحمود المليجي.. وتكتشف, حين يعود النور, ان ما كنت تتخيله ما هو إلا تعساء من جيرانك وأهل الحي اضطروا للخروج أو العودة وهم يتخبطون في الظلام.. ويجتاحك إحساس جميل حينما ترفع نظرك للسماء, شاكيا الظلام من حولك, والعرق المقرف, فتفاجئك ابتسامات النجوم والقمر من ورائك وكأنه هيدبك علي.. دماغك وتزيد متعتك بالجو الشاعري عندما ينكتم تليفونك الأرضي ويصبح كالميت إذ انه لاسلكي, يأكل الكهرباء أكلا وبدونها يموت, وبخرس الهاتف تنعم بالهدوء, القسري البديع, فلا تطلب احدا ولا أحد يطلبك. وأنت في هذا الجو البديع قد تفكر في أخذ حمام منعش يزيل عنك العرق الذي بدأ يقرفك بملوحته, لكن الحقيقة المؤلمة ترتد لذاكرتك التي كانت غافلة, فتتسمر مكانك وبيدك الشمعة وقد كنت في طريقك للحمام: الماء الجاري في المواسير لا يتحرك إلا بالموتور الذي يصاب بالشلل فور قطع الكهرباء وهكذا لا تحرم من الاستحمام فقط وإنما ستفكر ألف مرة قبل ان تدخل الحمام لترتاح. ولكن في ان يمسك الانسان نفسه ويتحمل ولا يقرب الحمام تدريب عظيم علي الصبر وقوة التحمل كما ان في عملية انقطاع الكهرباء فوائد ومكتسبات نفسية وروحية أخري عديدة مثل التدريب علي كتم الغيظ بعدم طلب المسئولين في التليفون والدخول فيهم شمال مثلا. وأخيرا لضيق المساحة لا تنس ان في انقطاع الكهرباء تحفيزا كبيرا لإجادة فنون القتال والدفاع عن النفس والممتلكات, خاصة وأن الظلام سيكون حافزا أكبر وساترا ممتازا للمجرمين والبلطجية ودمتم.