بعد زيارة ناجحة, وقبل عودته إلي أرض الوطن أمس, التقي الرئيس عبد الفتاح السيسي بمقر إقامته بالعاصمة السودانية, قيادات ورموز القوي السياسية والمفكرين والإعلاميين السودانيين, في إطار حرصه ليطرح أمامهم رؤية مصر بشأن تدعيم أواصر التعاون والتنسيق والتشاور مع الأشقاء في السودان, وتفعيل العلاقات الإستراتيجية بين البلدين, كما يأتي هذا اللقاء تجسيدا لوحدة المصير المشترك, وتشابه الأحوال والأوضاع, والتحديات والصعوبات التي تواجه البلدين الشقيقين. واستعرض الرئيس خلال اللقاء, الذي حضره عدد من الوزراء السودانيين والمصريين, الإنجازات التي حققتها مصر علي مدار السنوات الأربع الماضية من مشروعات كبري, في مقدمتها مضاعفة إنتاجها من الغاز والكهرباء, وشبكة الطرق التي ربطت جميع أنحاء مصر, وفي السياق ذاته أشار الرئيس إلي الشروع في تنفيذ مشروعات قومية مشتركة مع السودان منها: الربط الكهربائي ومد خطوط السكك الحديدية بين الدولتين, بما يؤكد أن هناك آفاقا واسعة للارتقاء بعلاقات التعاون الثنائي إلي أبعد مدي ممكن. وتناول الرئيس ثوابت سياسة مصر الخارجية, مؤكدا أنها تقوم علي مبادئ راسخة بعدم التدخل في الشئون الداخلية للآخرين, وعدم التآمر علي أي دولة, وتجسيد مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة التي تتجاوز وتسمو فوق أي اختلافات في الرؤي أو وجهات للنظر. وفي حديثه مع الرموز الفكرية والسياسية والإعلامية, أكد الرئيس بعبارات شديدة الوضوح أن أمن السودان جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي, ومصر تدعم دور السودان في محيطها الإقليمي والدولي, انطلاقا من روابط الأمن القومي للبلدين, وعلاقاتهما التاريخية. ولم تكن إجراءات الإصلاح الاقتصادي الجريئة التي اتخذتها مصر بعيدة عن محاور اللقاء, بل إن الرئيس أكد أن جهود الإصلاح الجاري تنفيذها في مصر ضرورة حياتية, وأشار إلي الإجراءات التي تتخذها لتوفير مناخ جاذب للاستثمار والمشروعات القومية في مجال البنية التحتية والمدن الجديدة. وحرص الرئيس السيسي علي تأكيد دور الشعب المصري في إنجاح تجربة الإصلاح الشامل, بوعيه وإدراكه وتفهمه لطبيعة المرحلة وتحدياتها, وشدد في هذا السياق علي حرص الحكومة المصرية علي تعزيز العلاقات الاقتصادية, وزيادة حجم التبادل التجاري مع السودان الشقيق. ولفت الرئيس خلال اللقاء إلي نقطة مهمة ذات دلالة حين أكد أهمية تعزيز العلاقات الحزبية والشعبية في البلدين بالتوازي مع العلاقات الرسمية, منوها بدورها المحوري في تعزيز علاقات التعاون القضائي, وتجاوز أي قضايا عالقة. نحن نستطع معا أن نفعل الكثير من أجل أن نحقق العديد من الإنجازات لمصلحة بلدينا.. وأيدينا ممتدة لكم بكل الخير والحب.. كلمات وجهها الرئيس السيسي, كاشفا بها عمق الروابط المشتركة, ومؤكدا أن ما يطرأ أحيانا من خلافات ومشكلات هو أمر طبيعي بين البشر وفي علاقات الدول, مستدركا في السياق نفسه: لكن في ظل متانة وقوة العلاقات الإستراتيجية تصبح هذه المشكلات ضئيلة وعابرة, ويمكن حلها في إطارها المحدد. وفي التفاتة ذات مغزي, جاءت رسالة الرئيس شديدة الوضوح إلي أجهزة الإعلام في البلدين, مطالبا إياها بالقيام بدور إيجابي وبناء في توطيد العلاقات بين البلدين الشقيقين, وضرورة اتخاذ خطوات متسارعة نحو توقيع ميثاق شرف إعلامي يضمن قيام الجانبين بإعلاء المصلحة الوطنية العليا, والابتعاد تماما عن أي محاولات لتعكير صفو علاقات الدولتين. وأشار الرئيس إلي أن تطلع مصر والسودان لآفاق أرحب وأوسع للتعاون الإستراتيجي بينهما, لن يتحقق إذا استسلمنا للمشكلات والأزمات, في الوقت الذي يمكننا فيه معا التعاطي معها, وتجاوز معضلاتها, مؤكدا: لن تروا من مصر إلا كل شيء طيب, مصر والسودان معا غير مصر بمفردها أو السودان بمفردها. أمام هذه الرسائل والعبارات ذات الدلالات الواضحة المعبرة عن عمق الرؤية, والحرص الشديد علي وضع الأمور في إطارها الصحيح, جاء رد فعل الرموز الفكرية والسياسية والشعبية والإعلامية, التي أعربت عن بالغ تقديرها لزيارة الرئيس السيسي, واختياره الخرطوم أول محطة لزياراته الخارجية في ولايته الثانية, مؤكدين أن السودان قيادة وحكومة وشعبا يثمن هذه الزيارة, لأنها تمثل دفعة قوية في مسيرة العلاقات الإستراتيجية بين البلدين. وفي ختام زيارة الرئيس السيسي جاء لقاؤه مع الفريق أول بكري حسن صالح, النائب الأول للرئيس السوداني, الذي أعرب عن تقدير السودان للزيارة التاريخية للرئيس عبد الفتاح السيسي, مؤكدا حرص السودان الكامل علي تفعيل جميع أطر التعاون المشترك بين البلدين, واستثمار إمكانات البلدين لتحقيق نموذج في الترابط والتعاون بينهما.