تشهد الساحة السورية العديد من التفاعلات المتسارعة والمتشابكة خلال الفترة الجارية, من حيث تراجعت أدوار العديد من التنظيمات والجماعات المسلحة الفاعلة في مسار الأزمة منذ2012 وحتي الآن, بجانب إعادة صياغة أدوار بعض الفاعلين الإقليميين والدوليين التي تشهد تراجعا لأدوار البعض وتنامي لأدوار آخرين, هذه الحالة المتباينة تطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل أدوار الفاعلين الإقليميين والدوليين من جانب, وانعكاس تراجع دور التنظيمات المسلحة وضعف بنية الجماعات الإرهابية علي الأدوات التي يمكن أن تستخدمها في المواجهة مع النظام, بمعني أدق هل يمكن أن تلجأ التنظيمات الإرهابية لاستخدام بعض الأسلحة المحرمة خلال عملية المواجهة, هذا ما يمكن أن يجيب عليه هذا الملف. لم تكن تحذيرات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي أطلقتها في مايو2016, من وجود مؤشرات تدل علي أن تنظيم داعش لديه الإمكانية لتصنيع أسلحة كيماوية, أو أنه ربما قد قام بالفعل باستخدامها في العراقوسوريا, بجديدة, فما زالت المخاوف قائمة من حدود تسليح التنظيمات الإرهابية, وبصفة خاصة تنظيم داعش الذي لا يزال يمثل تهديدا شديد الخطورة, فعلي الرغم من الهزائم التي مني بها, يري البعض أنها قد تكون محركا لمحاولات التنظيم اللجوء لحيازة أسلحة نوعية أكثر فتكا, في مواجهة ما يتعرض له من انهيارات وخسائر, بالإضافة إلي قصور قدراته العسكرية المنظمة مقارنة بقدرات الدول المحاربة له, وتبدد معظم حصونه علي الأرض, وهو ما يمكن أن يدفعه إلي البحث عن سبل بديلة يحاول من خلالها الإيقاع بأكبر قدر من الضحايا والخسائر بأقل إمكانيات, وهنا تتصاعد التكهنات التي لا تستبعد قيام التنظيم باللجوء إلي استخدام الأسلحة الكيماوية في المرحلة القادمة, إلا أن قدرة التنظيم علي تصنيع الأسلحة وحيازتها لا تزال موضع تساؤل. وأشارت العديد من الأدلة إلي أن تمكن تنظيم الدولة من تطوير برنامج محدود للأسلحة الكيماوية غير مستبعد, فقد تناول أحد التقارير الصادرة عن مركز تنسيق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي بأن الأسلحة الكيماوية قد تكون ملاذا للتنظيمات الإرهابية في عام2018, ولعل المخاوف من احتمالية تمكن التنظيمات الإرهابية وعلي رأسها تنظيم داعش من استخدام الأسلحة الكيماوية يأتي مستندا علي دلائل عدة, منها علي سبيل المثال إمكانية استفادة التنظيم من خبراء علي دراية ببرامج الأسلحة الكيماوية التي كانت بحوزة الدولة سواء في العراق أو سوريا, فقد ذكر التقرير قيام داعش في عام2013 باستخدام غاز الأعصاب في عملياته العسكرية, وشروع التنظيم في بناء برنامج للتسلح الكيماوي قاده ضابط كيماوي سابق في الجيش العراقي يدعي سليمان داود العفاري, وقد قتلت غارة جوية شنها التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب شخصا يدعي أبو مالك كان يعمل مهندسا في مجال تطوير الأسلحة الكيماوية لدي التنظيم, عقب عمله في هذا المجال في برنامج الأسلحة الخاصة بنظام صدام حسين, وقد صرحت القيادة المركزية الأمريكية بأن تدريبه وخبرته السابقة وفرت للمجموعة الإرهابية خبرة في السعي إلي امتلاك أسلحة كيماوية, تأتي تلك الترجيحات أيضا مستندة إلي سهولة الحصول علي المواد الخام اللازمة لتصنيع الأسلحة الكيماوية والتي يمكن استخلاصها من مركبات كيماوية تقليدية, بالإضافة إلي سهولة التنفيذ والتصميم. وهناك رؤية ترجح أن الحديث لا ينبغي أن يكون عن إمكانية استخدام التنظيم للأسلحة الكيماوية, وإنما ينبغي الحديث عن توقيت الاستخدام باعتباره أمرا واقعا مما يدفعنا إلي عدم الحديث عن الإمكانية والتحول إلي الخطوة التالية المتمثلة في الإجراءات الاحترازية والاستباقية التي يجب اتخاذها في هذا الاتجاه, خاصة في ظل عدم استبعاد استيلاء عناصر التنظيم علي مستودعات خاصة بالأسلحة الكيماوية خلال الفترة الماضية, فقد كشفت عناصر أمنية عراقية في نوفمبر2014 عن استيلاء تنظيم داعش علي منشأتين للتسليح الكيماوي في شمال غرب العراق, بالإضافة إلي ما أعلنه المتحدث باسم الاتحاد الدولي ستيف وارن في عام2016 من أن تنظيم داعش بالفعل قد قام باستخدام الأسلحة الكيماوية من15 إلي20 مرة, موضحا أن الأسلحة الكيماوية التي استخدمها التنظيم مصنعة من الكلور المخلوط بغاز الخردل, وفي نفس العام صرحت القوات العراقية بعثورها علي مصنع للأسلحة الكيماوية تابع لتنظيم داعش يقع علي بعد4 كيلو مترات من غرب مدينة هيت بمحافظة الأنبار. والتساؤل المطروح هنا, هل يمكن الاستناد إلي المؤشرات السابقة في الجزم بإمكانية استخدام التنظيمات الإرهابية وعلي رأسها تنظيم داعش للأسلحة الكيماوية في الفترة المقبلة, الإجابة هي لا, خاصة أن الوضع ليس بالأمر الهين كما يبدو, وتقف أمامه العديد من العوائق والقيود, أهمها التراجع الحاد والكبير في قدرات التنظيمات الإرهابية وانحسار نفوذها, وما ترتب عليه من فقدانها لمصادر التمويل الرئيسية التي كانت تعتمد عليها في تعزيز قدراتها التسليحية واستقطاب عناصر خبيرة, خاصة في ظل ما تتطلبه الهجمات الكيماوية من تطور تكنولوجي يصعب الحصول عليه مع تراجع قدرات وإمكانيات التجنيد لدي التنظيم, أيضا ما ترتب علي انحسار النفوذ من عدم قدرته علي بناء معامل مجهزة, خاصة في ظل ما تتسم به المواد الكيماوية المستخدمة مثل سيانيد الهيدروجين والسارين ومركباتها, من كونها مواد شديدة الحساسية وقابلة للذوبان والتآكل إذا لم يتم تخزينها في بيئات محكمة, خاصة في حالة التخزين والنقل لمسافات طويلة, وما يستدعيه من وجود حاويات مجهزة وبيئة ملائمة, وهنا تقف التنظيمات أمام بديلين, إما تصنيع المواد في معامل بعيدة ونقلها, وهو ما يواجهه ما سبق ذكره من عوائق, أو القيام بتطوير المعامل بالقرب من مواقع الهجوم المخطط لها, وهو ما يتسم بالصعوبة في ظل ما تعانيه التنظيمات من حصار, حتي في حال صحة ما تردد حول فرض التنظيم سيطرته علي عدد من مصانع الأسلحة الكيماوية في سورياوالعراق فإن انسحاب التنظيم من مراكز نفوذ يحول دون فرض سيطرته علي أي منها في حال وجودها. وفي النهاية وعلي الرغم من تباين الرؤي التي اتجهت ثلاث وجهات متباينة, ترجح إحداها إمكانية استخدام التنظيمات الإرهابية وعلي رأسها تنظيم داعش للأسلحة الكيماوية, وتري الأخري أن تلك التنظيمات بالفعل تملك هذه الإمكانية وقد قامت قبلا بشن هجمات كيماوية في سورياوالعراق, بينما يري آخرون أن إمكانية امتلاك التنظيمات الإرهابية لأسلحة كيماوية يواجه بالعديد من التعقيدات والمعوقات التي تحول دون حدوثه, إلا أنه وفي جميع الأحوال يبقي هذا الاحتمال قائما ويجب وضعه في الاعتبار مما يستدعي القيام بإجراءات استباقية تحول دون إمكانية حدوثه.