بل علي العكس من ذلك, بدأ النظام في اتخاذ خطوات إجرائية تشير إلي أنه لم يتمكن من قراءة وتحليل أسباب تلك الاحتجاجات وتداعياتها. فقد تسرعت مؤسساته العسكرية, وفي مقدمتها الحرس الثوري, في إعلان القضاء علي تلك الاحتجاجات, مع أنها ما زالت مستمرة وتنتشر من محافظة إلي أخري. وتوازي ذلك, مع اتجاه الحكومة إلي الإعلان عن عزمها التدخل من أجل تخفيض أسعار بعض السلع التي ارتفعت في الفترة الأخيرة. لكن في مقابل ذلك, لم يكشف النظام عن نيته لتخفيض مستوي الدعم الذي يقدمه إلي بعض الأطراف في الخارج, كما استمر في اعتقال العديد من الكوادر التي تصاعد دورها في تلك الاحتجاجات, خاصة من طلاب الجامعات, الذين يمارسون بصفة دائمة دورا رئيسيا في تفعيل نشاط وتأثير تلك الاحتجاجات, في ظل المكانة السياسية التي تحظي بها الحركة الطلابية في إيران. والأهم من ذلك, هو أنه واصل نهجه في وصف تلك الاحتجاجات بأنها تحركات مدعومة من جهات خارجية لتقويض دعائم النظام في الداخل, رغم أنه يدرك تماما أن هذه الاحتجاجات تعود إلي متغيرات حقيقية ساهمت في تعميق سياساته الراديكالية في الداخل, والتي عملت علي عكس رغبات المواطنين, بشكل ساهم في تفاقم حدة استيائهم ودفعهم إلي الخروج للشارع للتعبير عن آرائهم ليس في سياسات وبرامج الحكومة فحسب, بل في مجمل أداء النظام السياسي. وقد انعكست هذه الرؤية السلبية التي تبنتها المؤسسات النافذة في النظام الإيراني, في البيان الذي أصدره الحرس الثوري ونشره علي موقعه الإلكتروني سباه نيوز, في7 يناير2018, وأعلن فيه أن الشعب وعشرات الآلاف من عناصر الباسيج والشرطة ووزارة الاستخبارات تمكنوا من إخماد اضطرابات أثارها أعداء أجانب. وتوازي ذلك مع ادعاءات جاءت علي لسان أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام قائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي, وقال فيها إن ما حدث من احتجاجات كان نتيجة خطط وضعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنظمة مجاهدي خلق وأتباع نظام الشاه السابق في محافظة أربيل العراقية. والمفارقة هنا تكمن في أن هذا البيان يتناقض مع تأكيدات كثير من المسئولين السياسيين ورجال الدين البارزين في الدولة علي أن بعض المطالب التي تبناها المحتجون مشروعة, وعلي توجيه انتقادات قوية للحكومة بسبب عزوفها عن التعامل بجدية مع المشكلات الحياتية التي يعاني منها قطاع واسع من الإيرانيين, بشكل تسبب في تصاعد حدة تلك الاحتجاجات, ودفع المحتجين إلي التنديد بإجراءات الحكومة وسياسات النظام. فضلا عن أن هذه الادعاءات لا تتسامح مع المعطيات الموجودة علي الأرض, التي تشير إلي أنه يصعب تصديقها في ظل النفوذ الواسع الذي تحظي به إيران داخل العراق, وعلاقاتها القوية ليس مع الحكومة المركزية في بغداد فحسب, بل مع بعض القوي الكردية, وهي العلاقات التي ساهمت في عرقلة اتجاه إقليم كردستان نحو تفعيل نتائج الاستفتاء علي الانفصال عن العراق الذي أجري في سبتمبر الماضي. فضلا عن ذلك, اتخذت السلطات الإيرانية قرارات أخري من شأنها أن تفرض تداعيات سلبية, أهمها قرار المجلس الأعلي للتعليم الذي تشرف عليه الحكومة بمنع تدريس اللغة الإنجليزية داخل المدارس الابتدائية, بعد التحذيرات التي جاءت علي لسان المرشد الأعلي للجمهورية علي خامنئي من أن تعليمها في سن مبكرة سوف يعزز من فرص الغزو الثقافي الغربي. هذا القرار يطرح دلالتين مهمتين: الأولي, أن النظام ما زال يتبني نظرية المؤامرة في التعامل مع أسباب الاحتجاجات الحالية, باعتبار أنه بات يري أن جزءا من جهود تبذلها قوي خارجية لغزو إيران ثقافيا بعد أن فشلت في تحقيق ذلك عسكريا. والثانية, أن سياسة الانفتاح التي تتبناها حكومة الرئيس حسن روحاني أثبتت أنها مجرد واجهة يسعي من خلالها النظام إلي تجميل صورته في الخارج دون أن تكون لديه نية حقيقية لاتخاذ إجراءات من شأنها تحسين العلاقات مع دول الجوار والتوقف عن دعم الفوضي وعدم الاستقرار. وقد أثبت الرئيس روحاني بدوره أن تلك السياسات ما هي إلا محاولة لاستقطاب أكبر عدد من أنصاره لدعم فرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية لولايتين متتاليتين, دون أن يكون مستعدا, أو تكون لديه الرغبة في اتخاذ خطوات إجرائية لتنفيذها علي الأرض. من هنا, ربما يمكن القول إنه في حال ما إذا نجح النظام في احتواء أزمة الاحتجاجات الحالية, فإن ذلك لا يمثل نهاية المطالب, طالما أنه ما زال يتعامل بمنطق المؤامرة, ويسعي إلي القضاء علي الاحتجاجات دون التعمق في أسباب اندلاعها وآليات معالجة مطالبها, بشكل يوحي بأن إيران قد تكون مقبلة علي أزمة أكبر خلال المرحلة القادمة.