الفطرةهي الجبلة التي خلق الله خلقه عليها, فسوي الإنسان وعدله وأنعم عليه بفطرة تتناسب مع شرعه ودينه وما أوجبه الله عليه فالفطرة السليمة هي التي تميل( بطبعها) إلي فعل الأمر وترك المنهي عنه. فقدحبانا الله تعالي هذه النعمة تفضلا منه سبحانه- و لم يخل القرآن العظيم من وصف الفطرة فقال جل في علاه (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الروم30 فقد وضع الله في قلوب الخلق كلهم. الميل إليها. فوضع في قلوبهم, محبة الحق, وإيثار الحق, وهذا حقيقة الفطرة. ومن خرج عن هذا الأصل, فلعارض عرض لفطرته, أفسدها, كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: كل مولود يولد علي الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. يقول الدكتور حمادة القناوي من علماء الأوقاف يجب علي المسلم أن يرتقي بإيمانه بصفاء فطرته ونقائها فتأمل كلام ابن القيم في تفسير قوله{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنهاكوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم النور35 . ووجه هذا المثل, الذي ضربه الله, وتطبيقه علي حالة المؤمن, ونور الله في قلبه, أن فطرته التي فطر عليها, بمنزلة الزيت الصافي. ففطرته صافية, مستعدة للتعاليم الإلهية, والعمل المشروع,فإذا وصل إليه العلم والإيمان, اشتعل ذلك النور في قلبه, بمنزلة إشعال النار, فتيلة ذلك المصباح, وهو صافي القلب, من سوء القصد, وسوء الفهم عن الله. إذا وصل إليه الإيمان, أضاء إضاءة عظيمة, لصفائه من الكدورات.وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية, فيجتمع له, نور الفطرة, ونور الإيمان,ونور العلم, وصفاء المعرفة, نور علي نور. ولما كان هذا من نور الله تعالي, وليس كل أحد يصلح لهومما لا شك فيه أن ما نراه اليوم من استنكار أوامر الشرع ونهيه فضلا عن محاربته من أهل الإسلام; أنه راجع إلي انتكاسة في الفطرة. فالفطرة السوية كما ذكرنا تميل بطبيعتها إلي شرائع الدين. ولما كان ذلك الاستنكار والتعجب من تعاليم الدين كان ثمة( ثلوث) أوانهيار لكيان فطرة الانسان. فانتكاسة الفطرة درجات و مع كثرة الفتن و المحن في هذه الأيام شاع( التلوث الفطري) لجمع وافر من المسلمين إلا ما رحم ربي إذ إن سلامة الفطرة ونقاءها( تعبد) طريق السالك وتسهله فيزداد إيمانا بعد إيمان. ويضيف القناوي أن أسباب( انتكاسة الفطرة) أو( التلوث الفطري) كثيرة منها عامل التربية حيث يمثل جانبا مهما في سلامة الفطرة, إذ إن( العادات والتقاليد)التي تتربي عليها الأجيال ترسخ( قيم ومبادئ) تتخذ فيما بعد( ديدنا)لهم فيقدمونها علي الشريعة. وهذا هو الذي أورد الناس الموارد; فلم يعاند المشركون بشركهم إلا بسبب اتباعهم لآبائهم فقالوا( إنا وجدناآباء نا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون) فاصطدموا بدعوة التوحيد( لأنهم تربوا علي الشرك وتعدد الآلهة) فالعادات و التقاليد رسخت في قلوب الرجال و النساء المبادئ الذي يتخذونها منهجا للحياة فبدلا من أن يتخد الدين كمرجع أساسي للحياة( اتخذت هذه المبادئ من دونه). وهنا يتجلي دور الآباء و الأمهات في التربية فكل راع مسئول عن رعيته كما قال النبي صلي الله عليه و سلم فالآباء و الأمهات مسئولون أمام الله عن هذه الأمانة وكذلك المجتمع المحيط بالإنسان فكثير منا يغفل عن هذا المدخل الشيطاني الذي يفسد القلب بل يمسخه ويخسف به أسفل سافلين. فللأسف الشديد الكثير منا عند استقامته يكتفي بنفسه ثم لا يفكر في( قوا أنفسكم وأهليكم نارا( فيكتفي بقوله( قوا أنفسكم( فكثرة رؤية تلك الطبائع المختلفة التي لا تخل من المعاصي والمخالفات تألفهاالقلوب; وبعد أن كانت النفوس تستقبحها صارت لا تبالي بوجودها بل والإقدام علي فعلهاو من أسباب انتكاس الفطرة صحبة الأشرار والعصاة, مثل صحبة ذلك الرجل الذي أضل نفسه وأضل غيره معه; لأن القرين السيئ يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب, في الحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام:( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك أو تجد منه ريحا طيبة, ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة) ومن أسباب الانتكاس مقارفة المعاصي والاستهانة بصغائر الذنوب: يقول الله عز وجل:{ كلا بل ران علي قلوبهم}, المطففين:14] أي: غطي القلوب:{ ما كانوا يكسبون}, المطففين:14] تستهين بنظرةأو بكلمة أو بخاطرة أو بمعصية فتنكت في قلبك, يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم قال:( تعرض الذنوب علي القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها- أي: قبلها- نكت فيه نكتة سوداء, وأي قلب ردها نكت فيه نكتة بيضاء, حتي تصير القلوب علي قلبين: قلب أسود, لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا, إلا ما أشرب من هواه, وقلب أبيض كالصفاء لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض) فأنت اجعل في قلبك حاجزا ضد الذنوب, كلما جاء ذنب رده, لماذا؟ حتي لا ينكت في قلبك نكتة سوداء ثم تتراكم هذه النكت السوداء ثم يصير رانا, فيكون قلبك مربادا ثم ينكسر القلب وينتهي, وهذه انتكاسة- والعياذ بالله-. وعن علاج الانتكاس يشير القناوي الحرص الكامل والمواظبة علي الطاعات,فبالطاعات تحيا القلوب وتعود الفطرة إلي أصلها. و البعد عن المعاصي دقيقها وجليلها:. و الوسطية والاعتدال: عن طريق الرجوع إلي الكتاب والسنة. و ملازمة الصالحين وصحبتهم وملازمة العلماء وعدم العزلة: فإن الشيطان يستحوذ علي الإنسان إذا كان منفردا. و البعد كل البعد من قرناء السوء ودعاة الضلال والشر والأشرار. و إعطاء النفس حقهامن المباحات. ويقول الشيخ مصطفي عزت حميدان من علماء وزارة الأوقاف إن الله فطر عباده علي محبته ومعرفته, والقلب إنما خلق لذلك,( فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله), الروم:30]. وهي الحنيفية التي يولد عليها كل مولود, وشياطين الجن والإنس يسعون لحرف فطر الخلق, قال الله في الحديث القدسي: خلقت عبادي حنفاء كلهم, وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم; رواه مسلم. وكل مسلم مأمور بتعاهد فطرته لتعود المنحرفة إلي أصلها, ويزداد الذين آمنوا إيمانا. والمعاصي شؤمها كبير, تجتمع علي العبد فتهلكه, وتحول بين المرء وبين قلبه, وبقدر ما يصغر الذنب في العين يعظم عند الله, ولا تنظر إلي صغر المعصية, ولكن انظر إلي عظمة من عصيت. إن الاستهانة بالذنوب والمعاصي سبب رئيسي للانتكاس والهلاك,( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم), النور:15], وفي الحديث: إياكم ومحقرات الذنوب; فإنهن يجتمعن علي الرجل حتي يهلكنه; أخرجه الإمام أحمد, والطبراني. ومن أخطر المهالك المؤدية للانحراف والنكوص: ذنوب الخلوات يذكيها سهولة الوصول إلي الحرام, وقد كثرت طرقاته, وانتشرت قنواته, وتوافرت بين أيدي الناس من الوسائل ما لا يزجر عن إثمها إلا خوف الله وتقواه.