يتفق منظرو الديمقراطية علي أنه ليست للديمقراطية في المفهوم وفي الممارسة دلالة واحدة جامعة مانعة, بحيث يمكن تقديم توصيف أو تعريف محدد لها تاريخيا أو واقعيا, بل تختلف صيغها ودلالتها بحسب الظروف السياسية والتاريخية, وأيضا في ضوء معطيات الواقع الثقافي الذي يفرزها أو يستلهمها. وقبل قرن ونصف القرن طرح المفكر أوغست بلانكي سؤالا مفاده- ماذا يعني أن يكون فلان ديمقراطيا؟ ليثبت أنها كلمة غامضة وعادية, ودون مضمون محدد ومطاطية; كما ان مفهوم الديمقراطية عند الفيلسوف الآن باديو يؤكد أن كلمة الديمقراطية ورغم تضاؤل سلطتها يوما بعد يوم تبقي هي الشعار السائد في المجتمع السياسي المعاص ذلك أنه يمكن توجيه كل أشكال النقد حيال المجتمع السياسي وشجب الرعب الاقتصادي الذي يثيره, لكن شريطة أن يكون النقد دائما باسم الديمقراطية, و يشرح ويندي براون أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيركلي في مساهمته التي تحمل عنوان كلنا ديمقراطيون الآن كيف أن تعبير الديمقراطية له دلالة فارغة رغم أن الديمقراطية, تحظي في الظرف الراهن بشعبية لم تعرفها أبدا خلال التاريخ الإنساني كله.. وبالرغم أنها لم تكن أبدا أكثر غموضا مما هي عليه علي مستوي المفاهيم, لكن شعبيتها ربما تقوم تحديدا علي هذا الغموض. فثمة مسار من التحولات المفهومية هو ما يتتبعه ويسجله علماء السياسة والأنثروبولوجيا الثقافية عادة في تتبعهم لتاريخ الديمقراطية. مما يستلزم إعادة تفكير في بعض المفاهيم التي يتعامل معها عادة في التداول الإعلامي والسياسي الدارج كما لو كانت حقائق بديهية, في حين أنها في الواقع ليست كذلك وإنما هي أوهام شائعة. وفي مقدمة تلك المسلمات المغلوطة, فكرة شائعة مؤداها أن الديمقراطية تعني الاقتراع وتنظيم انتخابات دورية, وفق آليات موصوفة بالنزاهة وسوي ذلك من محددات وصور نمطية, لا تخلو من رومانسية سياسية وطوباوية ومفارقة للواقع كما هو كائن لا كما ينبغي أن يكون. وبعيدا عن هذه الفكرة السائدة, فالديمقراطية لا تعني بالضرورة تنظيم انتخابات واقتراع, بل إن الانتخابات تنظم بشكل دوري في دول تعتبر غير ديمقراطية من حيث جوهر معني الديمقراطية. والمسلمة الثانية, هي التصنيف الشائع لبعض الدول الغربية علي أنها دول ديمقراطية راسخة التجربة, عميقة التقاليد في هذا المجال, في حين أن ديمقراطيتها ينبغي أن توضع بين علامتي تنصيص, إن وضعنا في الحسبان المضامين والمعاني النموذجية لمفهوم الديمقراطية نفسه, وأولها ضمان التمثيل المناسب, وتساوي الفرص, وهو مطلب غير متحقق في معظم الديمقراطيات الغربية. وهناك أسباب اقتصادية تؤثر بالسلب علي تطبيق المثال الديموقراطي, ويتمثل ذلك في قوة رأس المال, وتأثير رجال الأعمال السلبي علي سير العمليات الانتخابية من ناحية, والفقر الشديد لجماعات شتي من الناخبين من ناحية أخري. والتأثير السلبي لرأس المال ظاهرة ملحوظة حتي في بلاد لها تاريخ في الديموقراطية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية أن نظام الانتخابات الحالي في الولاياتالمتحدة يعرض الحكومة الأمريكية للبيع كل عامين, والرئاسة والكونجرس كل أربعة أعوام, ومجلس النواب بأكمله وثلث مجلس الشيوخ وكذلك حكام الولايات والقضاة ومسئولين غيرهم للبيع كل عامين. حيث إن الانتخابات الوطنية يتم الفوز بها أو خسارتها وفقا لكم الإعلانات التليفزيونية المدفوعة, فإن أولئك الذين لديهم أكبر قدر من المال يفوزون بها. فالأمريكيون الآن يعيشون في حقبة حكم الأغنياء: فالدولة التي يقال إنها تقود العالم, تسيطر عليها الشركات والمجموعات المالية الكبيرة والأثرياء من الأفراد.