إلي أين يمضي لبنان بعد استقالة رئيس وزرائه سعد الحريري؟ وكيف سيتصرف الرئيس ميشال عون في حال لم يتراجع الحريري عن استقالته؟ وهل يقبل حزب الله شروط عودة الحريري؟.. هل سيدير عون شئون البلاد منفردا؟ أو سيرشح رئيس حكومة جديد؟.. ومن أين له برئيس وزراء سني؟.. ولماذا يترك الساحة لحسن نصر الله بولائه لإيران وانضوائه تحت لوائها؟ ومتي تتوقف محاولات القوي الإقليمية لاستقطاب لبنان إلي جانبها؟ أسئلة مطروحة ولا إجابات.. فقط إيقاع الأحداث المتسارع سيجيب عليها خلال الأيام وربما الأسابيع المقبلة. يسعي اللبنانيون حكومة وشعبا بكل قوتهم إلي أن يكون بلدهم مستقلا وبعيدا عن أي استقطابات القوي الإقليمية والدولية, وإلي أن يكون قراره السياسي وسياساته الخارجية نابعة من إمكاناته الخاصة بما يحقق مصلحته العامة المباشرة, وليست انعكاسا لمصالح أي قوة خارجية أخري, هذا ما يسعي له اللبنانيون دائما علي اختلاف دياناتهم ومذاهبهم, أما الواقع علي الأرض بكل أسف فيكشف إلي أي مدي تم جر البلاد إلي ساحات صراع ليس لها فيها أي مصلحة علي الإطلاق, وذلك بسبب انحياز حزب الله اللبناني الكامل إلي وجهة النظر الإيرانية, وانخراطه بكل طاقاته في الحرب السورية إلي جانب عناصر ومقاتلي وقيادات الحرس الثوري الإيراني, وانضوائه تحت راية وأجندة ملالي طهران. ورغم أن الانجرار إلي هذه الحرب المستمرة منذ6 سنوات, مع استقبال البلاد لأكثر من مليون لاجئ سوري, لم ينتج عنها فاتورة حرب فادحة مثل تلك التي اضطر لتسديدها إبان الاعتداءات الإسرائيلية عليه في ديسمبر2006, ويناير2007, والتي كان سببها المباشر أسر حزب الله لجنديين إسرائيليين, إلا أن الموقف الحالي بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري المفاجئة وضع لبنان مجددا رهنا للنفوذ والأجندة الإيرانية من جديد, وجعله في موقف بات عليه فيه أن يختار بين الاستسلام لرغبات حزب الله بأجندته الإيرانية أو التبعية لأجندة عربية أخري, وهو ما ترفضه قوي سياسية لبنانية عديدة شكلا ومضمونا, منها ما جاء علي لسان المفكر والسياسي كمال شاتيلا رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني في تصريحات خاصة لالأهرام المسائي بأن لبنان لن يكون ذيلا تابعا لأي نظام أو دولة, وطالب بحسم موضوع استقالة الحريري, وتشكيل حكومة وطنية جامعة من غير المرشحين للانتخابات النيابية, تسهر علي إجرائها في موعدها وتهتم بمشاكل الناس. وأضاف شاتيلا: لقد مر لبنان بأزمات بنيوية وصمد, وتصدي للعدو الصهيوني وانتصر, ولم تفلح التعبئة العصبية المذهبية علي مدي عشر سنوات في إحداث صراعات بين المسلمين, ولن يستطيع أي عامل خارجي أن يحدث فتنة بين المسلمين, والمطلوب دوما في الأزمات العودة إلي الثوابت الوطنية, ومنها أن لبنان دولة عربية وإسرائيل عدوته, وهو لن يكون مقرا أو ممرا للاستعمار لضرب أي دولة عربية, ودوره وفاقي ووحدته الوطنية أساس كيانه, وأكدت التجارب أن لبنان لكل اللبنانيين, فلا سيطرة لأي مكون أو فئة أو طائفة علي بقية اللبنانيين. ورغم أن قناعات شاتيلا كرئيس حزب لبناني له ثقله قد تكون تعبيرا مباشرا عن رغبات الكثير من اللبنانيين علي اختلاف انتماءاتهم الحزبية والدينية والمذهبية, إلا أن انسحاب سعد الحريري في هذا التوقيت وإعلان استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية علي الهواء من الرياض بشكل مفاجئ عقب استقباله لمستشار المرشد الأعلي الإيراني للشئون الدولية علي أكبر ولايتي بيوم واحد, أثارت الكثير من الجدل والأقاويل في الأوساط السياسية اللبنانية, وتركت الساحة كلها لحزب الله, مما يعني أن حالة الفراغ التي نتجت عن الاستقالة ستكون لها تداعياتها السلبية علي مجري الأحداث السياسية المتسارعة, وقد تحدث انقساما سياسيا خطيرا يهدد بفوضي لا يحتملها الوضع في لبنان في ظل ظروفه الراهنة. استقالة الحريري وإن كانت قائمة علي قناعات خاصة بأمنه الشخصي ومخاوف من محاولة اغتياله بعد تعرض موكبه للتشويش الراداري في بيروت بالطريقة نفسها التي اغتيل بها رفيق الحريري قبل سنوات أربكت كل الحسابات, ولاقت استحسانا إسرائيليا, وهو ما زاد من احتقان الوضع السياسي في لبنان, وصعد من وتيرة التوتر والخوف من تداعيات أكثر خطورة, وفي رأي الكثير من اللبنانيين أن الاستقالة تسرع الخطي بالبلاد إلي الفوضي لعدم وجود شريك سني يحل محله في الوقت الحالي, فضلا عن أن الرئيس اللبناني ميشال عون حليف حزب الله علق موافقته علي الاستقالة علي حضور سعد الحريري شخصيا إلي لبنان, وهو ما وافقه عليه حسن نصر الله زعيم حزب الله, وفي حال رفضه الحضور سيضطر عون إلي تسيير الأمور منفردا مما يزيد من تعقيد الموقف. استقالة الحريري خلقت فراغا سياسيا كبيرا, ونزعت غطاء الشرعية عن حزب الله المهدد بعقوبات دولية وشيكة, وهي عقوبات لن يسددها وحده بطبيعة الحال, وقد يتراجع الحريري عن استقالته شريطة تراجع حزب الله عن سلوكياته, وانسحابه من نزاعات المنطقة بحسب اتفاق الطائف كما أكد رئيس الوزراء المستقيل, ووفقا لسمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية أن تراجع الحريري عن استقالته مرهون بعودة حزب الله عن سياساته, وعبر جعجع عن عدم دهشته لقرار الحريري بقوله: البعض ينظر إلي استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وكأنها بدأت الآن, وإنما هي نتيجة تراكم طويل عريض لمخالفات قام بها فريق8 آذار وحزب الله.. كنت أشعر أن ذلك سيحصل لكني كنت أتساءل عن التوقيت. يمكن القول إن الطريق الوحيد الآن للخلاص والخروج من المأزق الحالي الذي يمر به لبنان يستلزم تدخلا عربيا ليس طرفا في النزاع مع إيران, لإثنائها عن التصعيد, وإلا فالتداعيات لن تكون لا في مصلحة لبنان ولا في مصلحة الفاعلين السياسيين علي الأرض وأولهم الشعب اللبناني نفسه وحزب الله بطبيعة الحال, ولا في مصلحة المنطقة العربية التي تئن من تعدد الصراعات بها, في وقت لن يتحمل فيه لبنان خوض أي حروب عبثية, ولن يتحمل تداعيات التحذيرات التي أطلقتها كل من السعودية والإمارات والكويت الخميس الماضي لمواطنيها بعدم السفر إلي لبنان ومغادرته فورا بسبب انتهاكات ميليشيات حزب الله, ذراع إيران بالمنطقة.