هناك من يتقمص بعض الأدوار القديمة ويستخدم اللغة المستفزة للرأي العام, ونجد من يكرر ولو بكلمات مختلفة ما كان يقوله أحمد نظيف عن عدم استعداد الشعب للمرحلة الديمقراطية, فيأتي اليوم مطالبا بإعطاء الفرصة حتي يفهم الناس الخريطة السياسية الجديدة, وذلك بإعطاء وقت إضافي للانتخابات المقبلة, وهذا المطلب الذي يبدو وجيها من حيث الشكل يتجاهل حقيقة أن هذا الشعب قد أثبت وعيه ووطنيته بصورة لا تحتمل الشك, وهو الذي أعطي الدرس للنخبة التي كانت غارقة في الشعارات والخلافات فيما بينها. والأمر الآخر الذي ينساه هؤلاء عن عمد أن المهلة المقترحة لن تتجاوز بضعة أشهر أو سنة واحدة, وهي لا تكفي لبناء حزب حقيقي جديد أو لتغيير توجهات الرأي العام, خاصة في ضوء المشهد الراهن المليء بالمشاحنات والجدل, ووسط تحديات ومخاطر حقيقية تستدعي سرعة إنهاء المرحلة الانتقالية وصولا إلي المؤسسات القادرة علي اتخاذ قرارات دائمة ترسم ملامح المستقبل. لن نكرر الحديث عن الأعباء الثقيلة التي يتحملها رجالنا البواسل في القوات المسلحة لأداء الأمانة والمسئولية علي أكمل وجه, ولكن الإشارات القادمة إلينا من البلدان المحيطة تجعلنا أكثر إدراكا بأن الإسراع باستقرار الأوضاع وتفرغ الجيش المصري البطل لمهامه الأصلية هو أولوية كبري لحماية الوطن من المتربصين به وما أكثرهم, وإن كان هذا لا يعني من قريب أو بعيد أن قواتنا المسلحة ستكون منشغلة عن الأحداث الداخلية وعملية البناء الديمقراطي والاقتصادي, ولكن ما نقصده هو أن تتحمل القوي السياسية مسئولياتها وأن تجري وفق المواعيد المقررة الانتخابات البرلمانية والرئاسية من أجل الاستقرار وللانطلاق بكل الطاقة إلي الأهداف المنشودة. ومع الإقرار بأحقية القوي والجماعات الفاعلة علي الساحة في التعبير عن مطالبها بالتأجيل أو للدستور أولا قبل الانتخابات, فإن الأمر في تقديري لا يحتمل كل هذا الجدل والخلاف, لأن الاتفاق بين الجميع علي الاثنين معا, الدستور والانتخابات, والترتيب بينهما يكون الفصل فيه لرأي الشعب, مثلما جاء في الاستفتاء الذي كان مثاليا ونموذجا يحتذي في الممارسة الديمقراطية. دعونا نتفق علي أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة قد التزم منذ البداية بتنفيذ الإرادة الشعبية, وكل ما يشغله هو تسليم الأمانة وفق المبادئ المتفق عليها والتي تنص علي إقامة المدنية الديمقراطية التي تضع مصر علي طريق النهضة والرخاء, وطالما توافرت المبادئ, فإن التفاصيل تبقي في أعناق السياسيين والنخبة في الأحزاب والإعلام, وقد آن الأوان لتحمل مسئولياتهم أمام التاريخ.