يبدو أن العراق علي موعد مع أزمة جديدة من مسلسل الأزمات التي لم تتوقف منذ الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين في2003, لم يعرف هذا البلد العربي الشقيق طعما للاستقرار والأمن, حتي بعد إنزال العلم الأمريكي من فوق صواريه في بغداد الذي ترافق مع رحيل قوات الاحتلال الأمريكية في2011, وحتي الآن. فما أن وضعت الحرب أوزارها حتي تجددت الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات الشيعية المسلحة وبين السنة, فيما عرف وقتها بحملات القتل علي الهوية, وتلتها مواجهات بينها وبين تنظيم داعش الإرهابي, واليوم الوضع مرشح لاشتباكات جديدة بين ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية وقوات البشمركة الكردية في كردستان العراق بسبب إصرار الأكراد علي إجراء استفتاء علي تقرير مصير الإقليم. قوات البشمركة تتأهب للمواجهة في كركوك, بتعزيزات عسكرية, بسبب تهديدات ميليشيات الحشد الشعبي والحكومة المركزية, فيما يتصاعد التوتر بين أربيل وبغداد علي خلفية إصرار الأكراد علي المضي قدما في استفتاء تقرير المصير المزمع إجراءه في25 سبتمبر الجاري. يذكر أن مدينة كركوك الغنية بالنفط تعد من المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد, وهذا ما يفسر تكثيف البشمركة وجودها بها بعد طرد داعش. مصادر كردية أعلنت أن البشمركة دفعت بقوات مشاة وعربات مصفحة ومركبات ومدافع خفيفة إلي المدينة, مع اقتراب موعد الاستفتاء. وكان مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق قد تعهد بالمضي قدما في تنظيم استفتاء علي الاستقلال عقب رفض البرلمان العراقي إجراءه, وقال في بيان نشر علي الموقع الرسمي لحزبه الحاكم أن الاستفتاء سيجري في موعده وسيستأنف الحوار والتفاهم مع بغداد فيما بعد. من جانبه فوض البرلمان العراقي حيدر العبادي باتخاذ كافة التدابير التي تحفظ وحدة البلاد في جلسة انسحب منها الأعضاء الأكراد. الأزمة الجديدة تثير مخاوف محلية من تجدد الاشتباكات المسلحة بكل ما يعنيه ذلك من انعدام الأمن والاستقرار في المدن العراقية وعودة مشاهد التفجيرات باستخدام السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية في التجمعات والأسواق, مع اشتعال فتيل الصراع بين الحكومة المركزية والميليشيات الشيعية من ناحية وبين قوات البشمركة الكردية من ناحية أخري, ما يهدد وحدة النسيج الاجتماعي والسياسي للدولة, ويمهد الطريق لتقسيم البلاد, كما تثير مخاوف دول الجوار وبالأخص تركياوسوريا وإيران من تزايد نفوذ أكراد العراق واستقلالهم ما قد يشجع الأكراد الموجودين فوق أراضيهم لأن يحذوا حذوهم ويطالبوا بحكم ذاتي في المناطق ذات الأغلبية الكردية, ومن ثم إحياء حلم الدولة الكردية, ذلك الحلم الذي كثيرا ما أرق الأتراك ودفعهم لمواجهات دموية عنيفة مع حزب العمال الكردستاني علي مدي عقود, لا سيما مع وصول دعم أمريكي سخي لأكراد سوريا. وثمة مزاعم دولية بأن الأزمة الجديدة ستؤثر علي المواجهات مع تنظيم الدولة الإرهابي, فيما يري محللون أن هناك من يدفع الأكراد لإلقاء مزيد من الزيت فوق النار المشتعلة ليبقي الوضع الأمني في هذا البلد ملتهبا, ما يؤثر علي قوة الجيش العراقي, وعلي تماسك الدولة. وليس ثمة شك في أن الاستفتاء سيعزز سيطرة الأكراد علي مناطق متنازع عليها بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان, من بينها كركوك.