تفوق فيلم الكنز في العديد من النقاط, مثل الإخراج الرائع لكل حقبة وصدق الديكور والملابس والشخصيات, والأداء الرائع لكل الممثلين كبارا وصغارا, وخاصة أن البعض قام بأدوار لم يعتد عليها جمهوره. ولكن الكاتب وقع في نفس الفخ الذي يقع فيه العديد من المصريين الآن, وهو تصوير العصر الفرعوني المصري, القديم وكأن كهانه وملوكه لا يهمهم سوي السلطة والسيطرة; تملؤهم الكراهية والحقد; وهذا الفخ نصبه لنا كل خبراء المصريات الأجانب الذين جاءوا الي مصر وترجموا اللغة الهيروغليفية بالمفهوم الغربي وصدروا لنا مفهومهم لحضارتنا, وهو مفهوم خاطئ. بداية يجب ان نعرف أن أبناء الملك ليسوا هم الورثة الشرعيين للملك, مثلما هو الوضع بالنسبة لملوك أوروبا, ولكن الملك الحاكم هو الذي يختار من يرثه الملك بناء علي ما يظهره هذا الشخص من حكمة وقوة شخصية, وليس بالضرورة أن يكون من سلالاته أو العائلة المالكة. حتي إن والد حتشبسوت نفسه, تحتمس, كان قائدا في الجيش وليس من سلالة الملك. ثانيا علينا أن ندرك أن كهنة المعابد ليسوا ممن يتطلعون الي السلطة من أجل السيطرة, مثلما كان قساوسة الكنائس في العصور الوسطي; فإن كهنة معابد مصر الفرعونية هم الذين توصلوا الي سر الحياة وسر الموت, واستطاعوا أن يكشفوا الفلسفة وراء الانسان والكون; وعلموا الفلاسفة الاغريق كل تلك الفلسفات. أما الفرعون, او الملك, فهو لم يكن يعتبر إلها; فقد أوضح كتاب الخروج الي النور والذي عرف بكتاب الموتي, كيف كان الملك بعد موته يحاكم أمام الإله الأعظم, وكان يقسم أمامه بانه لم يرتكب الذنوب التي نص عليها الإله, وهي قائمة طويلة. فإن كان هو الإله فكيف يحاكمه الرب؟ كما أن الملك كان قريبا من رعاياه الفلاحين الصغار الذين كان يزورهم بنفسه لجمع الضرائب حتي يتفقد أحوالهم بنفسه ويتحسس مشاكلهم الحياتية. كما أن الفرعون ليس هو الشخصية الديكتاتورية التي يحب الجميع اليوم أن يظهروه بها; فإن الديكتاتور لا يصنع حضارة عريقة, ولقد صنع ملوك مصر حضارة لم يشهدها أي عصر من بعد, الي حد أن كبار الفلاسفة الرومان والاغريق أمثال افلاطون وطاليس وهيرودوت كانوا يزورون مصر لينهلوا من فكرها وفلسفتها في كل المجالات وقال هيرودوت إنه سمع في اليونان كيف أن الحضارة اليونانية القديمة هي طفل الحضارة المصرية; كما أن المعلمين الذي أعطوا من علمهم للفلاسفة اليونانيين كانوا كهنة المعابد. وأخيرا, بالنسبة للمرأة في عصر الفراعنة القدماء, والتي أشار الفيلم كيف أن كهنة المعابد رفضوا تتويج حتشبسوت ملكة علي مصر لأنها أنثي, بينما الأنثي في مصر القديمة كانت مكرمة, فكانت إلهة وكاهنة وملكة حتي قبل حتشبسوت; فقد توجت سوبيك نفرو ملكة في عام1478 قبل الميلاد. لذلك فلا يمكن القول بأن رفض الكهنة لتتويج حتشبسوت كان لأنها أنثي كما ردد الكهنة في الفيلم. لقد تأثرنا كثيرا بمفهوم الغرب لحضارتنا لأنهم هم الذين يفسرون ويترجمون ويرممون, بينما نحن ننقل عنهم; وكان يجب أن نكون نحن الذين نملك أكبر معهد للآثار في العالم يؤمه كل طالبي العلم من أنحاء العالم ينقلون عما نفسر نحن وعما نترجم نحن. ولنبدأ بأن نقوم بالبحث العميق عندما نتكلم عن مصر القديمة, ونحاول أن نتخلي عن رداء علماء المصريات الغربيين.