في رواية من زمن بعيد, جاءت ليلة العيد,فقالت الزوجة لزوجها معاتبة:( العيد غدا يا أبا علي, وليس لدي أطفالنا ملابس جديدة يلبسونها مثل بقية أطفال الجيران, وهذا بسبب إسرافك!)..وكان رد الزوج:( أنا أنفق أموالي في الخير ومساعدة المحتاجين, وهذا ليس إسرافا يا أم علي).. فقالت له:( إذا فابعث رسالة إلي أحد أصدقائك المخلصين ليعطينا بعضا من المال, نرده له عندما تتحسن أحوالنا..إن شاء الله).. وكان للرجل صديقان مخلصان, احمد ومحمد.. وبالفعل كتب الرجل رسالة وأعطاها لابنه, وطلب منه أن يذهب بها إلي صديقه محمد.. ذهب الغلام إلي محمد وأعطاه الرسالة.. قرأها محمد وعرف أن صديقه في ضيق وحاجة وأصبح لا يملك شيئا.. قال محمد للغلام:( أعرف أن والدك ينفق كل ما عنده من أموال في عمل الخير.. خذ هذا الكيس وقل له إن هذه الدنانير هي كل ما أملك في ليلة العيد). عاد الغلام إلي والده وأعطاه الكيس.. فتح الرجل الكيس فوجد به مائة دينار..فقال لزوجته في فرحة:( يا أم علي, هذه مئة دينار أرسلها الله إلينا).. سرت الزوجة وقالت لزوجها:( أسرع إلي السوق لنشتري الأثواب والأحذية الجديدة لأولادنا).. في هذه اللحظة دق الباب.. فتح الرجل الباب فوجد ابن صديقه احمد ومعه رسالة يطلب فيها بعض المساعدة ليدفع دينا قد حل موعده..أعطي ابو علي الكيس الذي أرسله إليه صديقه محمد وفي داخله المبلغ كاملا دون أن يأخذ منه شيئا.. ثارت الزوجة علي زوجها الذي فضل صديقه عن أولاده, وعاتبته في تزمر, فقال لها زوجها:(صديقي يطلب المساعدة.. فكيف أمنع عنه ما عندي من خير؟!). مرت ساعة, ثم طرق الباب مرة اخري.. فتح الرجل الباب ووجد أمامه صديقه محمد فرحب به وأدخله البيت.. قال محمد( جئت لأسألك يا ابا علي عن هذا الكيس, هل هو الكيس نفسه الذي أرسلته إليك مع ولدك وبداخله مائة دينار.).. نظر الرجل إلي الكيس وقال في دهشة نعم إنه هو أخبرني يا محمد.. كيف وصل هذا الكيس إليك؟). أجاب محمد:( عندما جاءني ولدك برسالتك, وأعطيته الكيس الذي عندي لم يكن في بيتي غيره, فأرسلت إلي صديقنا احمد أطلب المساعدة.. ففاجأني أحمد بان قدم لي الكيس الذي أرسلته إليك كما هو, دون أن ينقص دينارا واحدا, فتعجبت وجئت إليك لأعرف السر).. ضحك ابا علي وقال:( لقد فضلك أحمد علي نفسه وأعطاك الكيس, كما فضلتني أنت علي نفسك يا محمد).. ابتسم محمد وقال: بل أنت فضلت احمد علي نفسك وعيالك, ما رأيك يا أبا علي في أن نقتسم المائة دينار بيننا نحن الثلاثة؟!. أجاب الرجل(بارك الله فيك يا محمد). سمع الملك بهذه الحكاية, فقال هذا أبلغ مثال لقوله تعالي: ويؤثرون علي انفسهم ولو كان بهم خصاصة, فقد آثر كل واحد من الرجال الثلاثة صديقه علي نفسه وفضل حاجة أصدقائه علي حاجته, فأمر لكل واحد من الأصدقاء الثلاثة بألف دينار صرفت لهم علي الفور.. عندئذ دخل الرجل علي زوجته وفي يده الدنانير الألف وقال في فرح: ما رأيك يا أم علي هل ضيعنا الله؟.. قالت المرأة: لا والله, ما ضيعنا, بل زادنا رزقا!فقال الرجل: عرفتي الآن يا زوجتي أن الإنفاق في سبيل الله تجارة رابحة لا تخسر أبدا؟! وأن من يسر علي معسر يسر الله عليه.. ومن فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة..فأحسني فإن الله يحب المحسنين, وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.