يا لها من ورطة! إن تمرير جمل من ثقب إبرة أسهل من الكتابة عن محمود المليجي في هذه المساحة, لكننا سنحاول... وأول ما يلفت الانتباه أن المصريين لم يعرفوا قدر المليجي إلا وهو في الستين من عمره, فالرجل المولود عام1910 في حي المغربلين, لم يجد صعوبة في دخول عالم الفن, كان أبوه تاجرا ميسورا, ألحقه بالمدرسة الخديوية الثانوية, وكانت اختيارات الفتي وقتها محسومة, الفن ثم الفن, لم ينجح في أن يكون مطربا, فالتحق بفريق المسرح في المدرسة, ومنه علي فرقة فاطمة رشدي, وهو مازال في العشرين من عمره, وفي1939 وقف أمام الكاميرا, في فيلم قيس وليلي( إخراج إبراهيم لاما), وقد منحه المخرج دور الشرير ورد غريم قيس, ليرتبط بأدوار الشر حتي يضرب به المثل وكثير من المصريين عندما يتحدثون يقولون إنهم لايريدون أن يكونوا محمود المليجي بمعني أنهم لا يريدون أن يكونوا أشرارا. حتي إن توفيق الدقن خرج من الاستوديو جريا في أول لقاء بينهما, رغم طيبة المليجي علي المستوي الإنساني. مئات الأفلام في عشرات السنين, يظهر المليجي باعتباره زعيم العصابة الخفي, أو البلطجي, أو تاجر المخدرات, أو غريم البطل في المنافسة علي حبيبته, ويمكنك القول بضمير مستريح أن النجم الكبير فريد شوقي مدين بثلاثة أرباع نجوميته لمحمود المليجي, الذي أجاد دور الوجه السلبي للإنسان حتي إنك تتعاطف مع منافسه أيا كان. كان ذلك حتي ظهر يوسف شاهين, وظهر محمد أبو سويلم, ويوسف شاهين هو المخرج الذي لولاه لما عرفنا أن لدينا ممثلا لا يقل عن نجوم الصف الأول في أي بلد, هوليود, فرنسا, إيطاليا.. أي مكان. ومحمد أبو سويلم هو الدور الذي لعبه المليجي في فيلم الأرض(1970), وهو أشهر من التعريف به, وأهم من الإشارة السريعة إليه. ورغم انهما التقيا قبل فيلم الأرض عدة مرات, إلا أن بدايتهما الحقيقية كانت من خلاله, ومع يوسف شاهين الذي قال إنه لم ينظر إلي عينيه في الكاميرا, لأنه يخاف منها, قدم المليجي أدوارا خارج نسيج السينما المصرية, منها دور الجد في عودة الابن الضال(1976), ودور جوني في العصفور, ودور رجل المباحث في الاختيار(1974) ودور المحامي الشريف في فيلم اسكندرية ليه(1979), وبالطبع فإن أحدا لا ينسي ثلاثة مونولوجات حوارية في تاريخ المليجي ويوسف شاهين: الأول, وهكذا سقطت لويز في فيلم الناصر صلاح الدين, والثاني: لأننا كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة في فيلم الأرض, والثالث: وعايزني أكسبها في فيلم إسكندرية ليه؟. لم يقل إخلاص المليجي لزوجته الوحيدة علوية جميل عن إخلاصه للفن, فقد أخلص لها طوال حياته كما أن إخلاصه للفن جعله يعمل حتي آخر لحظة في عمره, فقد رحل يوم6 يونيو1983, في مكان التصوير, عندما كان بصحبة عمر الشريف يعدان لفيلم أيوب. محمود المليجي.. شكرا