أنا سيدة في الرابعة والثلاثين من عمري, مررت بتجربة زواج فاشلة أثمرت طفلين أصر والدهما علي الاحتفاظ بهما في بلاد الغربة التي يعمل ويقيم بها فتركتهما معه وعدت إلي بلدي ألملم جراحي وكان أول ما فعلته هو عودتي لعملي الذي تركته عند زواجي بعد أن أدركت قيمته إذ كان أهم سبب وراء عدم تمسكي بأطفالي هو عدم قدرتي علي الإنفاق عليهما, ومضت حياتي روتينية حتي أفقت علي نظرات زميل لي بالعمل أرمل في الأربعين من عمره شعرت أنه يحبني في صمت فلم ألتفت له رغم إعجابي بشخصيته الرزينة, وبعد عامين كاملين صارحني بمشاعره وبأنه تردد في مصارحتي لأن لديه ابنتين في عمر العاشرة والثانية عشرة لم يكن يرغب في أن يحضر لهما زوجة أب لكنه تأكد من حسن أخلاقي ومن عدم قدرته علي الابتعاد عني, فلم أعترض علي ظروفه الاجتماعية التي تشبه ظروفي, وتركت مشاعري تنمو نحوه فازداد إعجابي الشديد به وإن لم يصل إلي درجة الحب فسمحت له بالتقدم إلي أهلي الذين رحبوا به واتفقنا علي إعلان خطبتنا في خلال شهر. وفجأة أصيب خطيبي بنزيف من الأنف وتوجه إلي الطبيب ودون الخوض في تفاصيل كثيرة اكتشف أنه مصاب باللوكيميا, فتأجل كل شيء وترك لي قرار الاستمرار أو التخلي عنه. سيدتي: إنني حائرة جدا في اتخاذ القرار ولم أستطع إخبار أهلي حتي لا أتأثر برأيهم الذي سيكون علي الأغلب إحمدي ربنا انك عرفتي قبل الجواز, وإن كنت أعرف أنه ربما يكون الصواب, لكن علي الناحية الأخري هل أترك الرجل الوحيد الذي استجابت له مشاعري وأنا أعرف صعوبة تكرار هذا بالنسبة لشخصيتي؟ وهل أتخلي عن إنسان أحبني ربما يكون في آخر أيام حياته فأصيبه بحزن يعجل بنهايته؟ أم أستمر معه لأمنحه لحظات سعادة أخيرة؟ وهل أخبر أهلي أم لا؟ أنقذيني من هذه الحيرة فالوقت يمضي سريعا. عزيزتي المرأة الناضجة من المفيد أنك علمتي قبل إتمام الزيجة حتي تكوني علي بينة من أمرك قبل اتخاذك لأي قرار, وأوافقك علي إخفاء الأمر عن ذويك حتي تأخذي التوجه المناسب لك دون ضغوط من الأقارب تحت لواء حمايتك, لكني أظن أن أصعب وأدق ما مررتي به هو ماضيك غير الموفق مع طليقك الذي تركك خالية الوفاض حتي من فلذات كبدك فأخذت حظا وافرا من مرارة الفقدان حتي لو كان بخاطرك فيا له من قرار صعب مهما كان حكيما ويدل علي قوة وصلابة وجلد تمتلكينها. لم تذكري نوع سرطان الدم اللوكيميا التي يعاني منها الرجل إذا كان من النوع الذي يستجيب للعلاج الإشعاعي, الكيماوي أم سيحتاج إلي محاولة بذل للنخاع وما هي المرحلة التي وصل إليها, مع ذلك دعيني أناقش معك الاحتمالات, ففي حالة أنها تستجيب للعلاجات فأصعب ما فيها هو فقدان رفيقك قدرته علي الإنجاب وتأجيل الزواج عدة شهور أو سنة حتي يستعيد عافيته وقدرته الجنسية وهنا سيتوقف قرارك علي رغبتك في مزيد من الأبناء أم ستكتفين بأمومتك لبناته, وعلي استعدادك لمصاحبته وإرجاء المعاشرة الجنسية لما بعد إتمام علاجه, وعلي استعداد لأن تتحملي ضعف حبيبك ووهنه المؤقت دون أن تهتز صورته وكيانه أمامك. أما لو كان حبيبك يعاني من لوكيميا في مراحل متأخرة أو لا تستجيب للعلاج فالمسألة ستختلف شكلا وموضوعا لتتمحور فيما ترينه أقل الأضرار عليك وعليه من معاناة الفقدان المحتمل. إن المحن تنمي جوانب مختلفة في الإنسان والمعركة التي يصارع فيها الشخص بكل ما يملك جسده من أجل البقاء تعد من أعتي المحن, وبالنسبة لك فإن قرارك يشبه حتمية الإجهاض للعلاقة لأن الجنين مصاب بينما تحملينه في أحشائك وتتمنين الحصول عليه, وموقفك الآن هو الاختيار بين إجهاض مبكر لفرحة مهددة بالفناء لو ولدت وبين مسئولية إتمام الولادة لعلاقة ربما تنتهي بشكل مؤلم إذا أراد الله, فما هي الضمانات لحماية حقوقك المادية والمعنوية إذا قررتي المضي قدما رغم المخاطر والمحاذير؟ وأين رفيقك من القرار؟ هل يرغب في الاستمرار أم يرغب في أن يخوض حربه دون إقحامك في المعركة؟ أظن أن توجهه مهم ويجب عليك احترامه أيضا وربما يكون تمسكه بك المصباح لطريق المضي معا حتي يأذن الله أو الافتراق علي حب دون التخلي عن واجبك نحوه كصديقة بما يرضي الله. فكري جيداوأدعوكي لأن تحكمي عقلك بعد معرفة كل المعلومات عن ماهية مرضه وفرصه في الشفاء وأن تثقي بعد ذلك فيما يقودك إليه حدسك.