في29 يوليو الماضي صوت43 عضوا من أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي ب(نعم) علي مسودة الدستور الليبي الجديد من إجمالي44 عضوا حضروا الجلسة, استعدادا لإرسال المسودة إلي كل من مجلس النواب في طبرق والمفوضية الوطنية العليا للانتخاب من أجل الاستعداد لتنظيم الاستفتاء العام علي الدستور الليبي المنتظر. وجاءت عملية التصويت بعد أربعة أيام من اللقاء الذي جمع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج مع القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر, في باريس برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون, وهو اللقاء الذي كان بمثابة محاولة جديدة لتحريك الجمود الذي تعانيه العملية السياسية في ليبيا منذ أكثر من عامين. ويتوقع كثير من الليبيين أن تسهم مسودة الدستور التي صوت عليها أعضاء الهيئة التأسيسية مطلع الأسبوع في إيجاد مخرج للأزمة السياسية المتعثرة في البلاد منذ أكثر من عامين, عبر إقرارها لنهاية المرحلة الانتقالية التي أرهقت كاهل البلاد وما رافقها من حرب أهلية أدت إلي إلحاق أضرار كبيرة بالبنية التحتية للدولة. سيما أنها تأذن بهاب البلاد إلي طريق الانتخاب الذي باتت الدعوة إليه تأخذ زخما دوليا ملحوظا منذ مطلع العام الجاري بين مختلف القوي الخارجية المنخرطة في الأزمة. وكان الرئيس الفرنسي ماكرون أعلن خلال مؤتمر صحفي جمعه إلي جانب كل من السراج وحفتر في قصر تابع لوزارة الخارجية الفرنسية فيسيلسانكلو بمنطقة باريس,الثلاثاء25 يوليو المنصرم, عن اتفاق الطرفين علي العمل معا من أجل تحقيق وقف إطلاق النار والتمهيد لإجراء انتخابات عامة في ليبيا خلال ربيع العام المقبل, ودمج المسلحين الراغبين في الانضمام للمؤسسات الأمنية وتسريح من يرغب في العودة للحياة المدنية وإعادة ادماجهم في مؤسسات الدولة إضافة إلي بذل المزيد من الجهود لتحقيق مصالحة وطنية شاملة في مختلف مناطق البلاد التي مزقتها الحرب الدائرة منذ سبع سنوات. ولقاء باريس بين حفتر والسراج هو الثالث من نوعه خلال العام الجاري, إذ استطاعت فرنسا الاستفادة من الجهود المصرية الكبيرة وسعيها لإقناع مختلف الأطراف في الأزمة الليبية باستئناف عملية الحوار السياسي للوصول إلي تسوية سياسية تقضي بخروج البلاد من أزمتها الراهنة, وهي الجهود التي مهدت الأرض أمام الفرنسيين حتي تمكن الرئيس ماكرون من جمع السراج وحفتر أمام مصوري وسائل الإعلام وهو الموقف الذي ظل عصيا خلال اللقاءات السابقة. وحضر اللقاء مبعوث الأممالمتحدة الجديد ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا الوزير اللبناني السابق غسان سلامة الذي تسلم منصبه في الأول من أغسطس الجاري, بعقد لقاءات أخري مع كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج والقائد العام للجيش الوطني في شرق ليبيا خليفة حفتر, وهي اللقاءات التي تشير إلي عودة الزخم مجددا لعملية الحوار السياسي الليبي التي تعثرت منذ توقيع أطراف الحوار الليبي علي اتفاق سياسي ي منتجع الصخيرات بالمملكة المغربية في17 ديسمبر.2015 وفيما رحب مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وبريطانيا بلقاء السراج وحفتر في باريس, وقبولهم التوقيع علي بيان مشترك يقرون فيه الاتفاق علي وقف إطلاق النار والعمل من أجل التمهيد للانتخابات; إلا أن إيفاء الأطراف الليبية المنخرطة بشكل رئيس في أزمة البلاد يبقي محل شكوك كبيرة, خاصة في ظل إصرار كل منها علي موقفها, وتفكك المؤسسات السياسية المنتخبة والتي تعاني من أزمة الشرعية بعد انقضاء ولايتها الدستورية وممانعة مجلس النواب في القبول بالاتفاق السياسي الذي عالج لهذه المؤسسات أزمة شرعيتها. ويواجه اتفاق حفتر والسراج في باريس, عقبات عديدة علي المستوي المحلي, خاصة ما يتعلق بالدرجة الأولي بآليات تنفيذ الاتفاق ووقف إطلاق النار ومن هم الإرهابيون خاصة أن المشير حفتر لا يزال مصرا علي تصنيف كل معارضيه بالإرهاب, وهو ما يفتح الباب أمام نسف الاتفاق من دون تحميله المسئولية عن ذلك, بينما يواجه السراج ضغوطا كبيرة من الموالين له, والرافضين لحفتر. فيما يتفق الطرفان في أن كلاهما لا يملك سيطرة حقيقية علي القوات الموالية له, إضافة إلي أن كلاهما يواجه أزمات عميقة مؤجلة, من شأنها أن تقوض أي اتفاق للتسوية ما لم تجر معالجتها قبل تحقيق التسوية السياسية. وواجهت عملية صياغة الدستور الليبي الجديد أزمات كبيرة وصلت إلي حد مقاطعة عدد كبير من الأعضاء لأعمال الهيئة التي كانت مدة ولايتها التي نص عليها الإعلان الدستوري للبلاد قبل أكثر من عام, بسبب استمرار حالة الانقسام التي شهدتها البلاد منذ منتصف العام.2014 كما لقيت عملية التصويت علي مسودة الدستور الأخيرة اعتراضات كبيرة وصلت لحد اقتحام مقر الهيئة التأسيسية في مدينة البيضاء من قبل نشطاء مؤيدين للفيدرالية علي خلفية عدم استجابة المسودة الأخيرة مطالبهم الرامية إلي اعتماد النظام الفيدرالي. ومن المتوقع أن تسهم الولاية الجديدة للوزير اللبناني غسان سلامة علي رأس البعثة الأممية في ليبيا اعتبارا من مطلع أغسطس الجاري, في منح مزيد من الزخم لعملية الحوار السياسي الليبي التي بدأها بحضور لقاء السراج وحفتر في باريس برعاية الرئيس الفرنسي. وفي سياق ذي صلة, وصل إلي القاهرة, وفد كبير يمثل مدينة مصراتة, من أجل الدخول في عملية حوار موسعة برعاية اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا برئاسة الفريق محمود حجازي, وهي الزيارة الثانية لوفد مدينة مصراتة إلي القاهرة بعد الزيارة الأولي التي جرت مطلع يوليو المنقضي. وضم الوفد المصراتي إلي القاهرة36 شخصية من مختلف التواجهات تمثل أعضاء مجلس النواب عن مصراتة والمجلس البلدي ومجلس الشوري والحكماء والأعيان وعدد من النشطاء السياسيين في المدينة, وهو ما يمثل نقلة نوعية في موقف المدينة التي كانت تعارض النهج المصري في التعاطي مع الأزمة الليبية خلال الثلاثة أعوام الأخيرة. ومن المقرر أن يلتقي وفد مدينة مصراتة في القاهرة بممثلين عن أعيان مدينة بنغازي والمنطقة الشرقية من ليبيا, وهو اللقاء الذي كان مقررا له أن يجري نهاية يوليو المنقضي إلا أنه تأجل لاعتبارات تتعلق بموقف الأطراف في شرق ليبيا من مصراتة. وخلال الشهور الأخيرة نجحت مصر في تحقيق تقدم ملحوظ في وساطتها بين الأطراف الليبية جراء عملية الانفتاح الكبير علي مختلف الأطراف التي ميزت الموقف المصري منذ نوفمبر2016, والتي نجحت من خلالها في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف الليبية ما يجعلها الأوفر حظا بقيادة جهود التسوية للأزمة المتفاقمة في ليبيا.