لسنا مانريد أن نكونه.. نحن ما يستدعيه المجتمع.. ولأننا لانريد أن نخيب أحدا فيما يتصوره عنا نقمع دون وعي منا أروع ما فينا وتتحول بالتدريج أنهار أحلامنا إلي طوفان من الكوابيس.. كل صباح عندما أفتح عيني علي اليوم الجديد المزعوم أجدني راغبا في أن أغمضهما مجددا.. وربما في ألا أنهض أبدا ماعاد شروق الشمس يحمل لنفسي تلك البهجة التي كنت أغسل بها روحي ومابقي لي من أمل أكبر هو رغبتي في أن أختفي عن عالم بئيس مدهشة التناقضات التي تحكمه ومؤسفة تلك الوجوه المقنعة التي كنت أستمد من طيبتها ونبلها ثباتي قبل أن اكتشف كم هي مزيفة.. والمؤسف أكثر منها أن أصحاب تلك الوجوه لايدركون أويتذكرون علي وجه الدقة متي وكيف تلبستهم تلك الأقنعة حتي صارت جزءا منهم وصاروا جزءا منها.. ذات يوم صادفت رجلا طلب مني العون في أمر ما حينها قدمت له ما استطعت.. ومرت السنون وفوجئت يأتيني بوجه يحمل تقدير الجميل وبضمير يخفي سكين محتال للأسف كنت ذبيحة وقتها تذكرت قصة محتال بغداد الذي خدع الجميع أكثر من مرة بدهائه وفي النهاية بقي وحده وأجبر كل من في المدينة علي الغرق ويروي أنه ذات يوم ملأ فم حماره بنقود من ذهب واقتاده للسوق.. وهناك وكزه بعصاه فنهق الحمار وتبعثرت النقود.. فتجمع المارة حول المحتال فأخبرهم بأن حماره هذا عجيب كلما نهق تتساقط من فمه النقود فتسابق الناس علي شرائه.. وظفر به كبير التجار وسرعان ما اكتشف أنه تعرض للنصب فجمع أهل المدينة وتوجهوا للمحتال لكن زوجته أخبرتهم بأنه ليس موجودا وسترسل كلبهم لإحضاره وبالفعل أطلقت كلبا كانت تحبسه وبمجرد أن انطلق هرب بعيدا إلي الجبل, وبعد قليل عاد زوجها ومعه كلب يشبه تماما هذا الذي هرب ووقتها نسي الناس لماذا جاءوا وفاوضوا المحتال علي شراء الكلب واشتراه أحدهم وراح لبيته وأوصي زوجته بأنه إذا ما سأل عليه أحد فكل ما عليها هو أن تطلق الكلب ليحضره ومع أول سائل نفذت الزوجة الوصية لكن الكلب خرج ولم يعد فأدرك التجار أن المحتال نصب عليهم مجددا فذهبوا لبيته واقتحموه عنوة فلم يجدوا سوي زوجته, فانتظروه حتي عاد وحين دخل عليهم نظر إلي زوجته, سألها: هل أحسنت ضيافة هؤلاء الأكارم ؟ فردت الزوجة: هم ضيوفك أنت فقم بواجبهم فتظاهر الرجل بالغضب وأخرج سكينا مزيفة وطعنها بها وكان قد خبأ في صدرها بالونا مليئا بدم كذب, فتظاهرت الزوجة بالموت وصار الرجال يلومونه علي تهوره هذا فقال لهم: لا تنزعجوا.. لقد قتلتها أكثر من مرة من قبل وأعدتها للحياة وأخرج مزمارا من جيبه وحين عزف به انتصبت الزوجة أكثر حيوية ونشاطا.. وللمرة الثانية نسي الرجال لما جاءوا, وفاوضوه علي المزمار فاشتراه أحدهم وبمجرد أن دخل منزله أحضر سكينا وطعن زوجته وصار يعزف فوقها طويلا فلم تصحو وفي الصباح سأله التجار عما حصل معه فخشي أن يخبرهم بأنه قتل زوجته فادعي أن المزمار يعمل بكفاءة وأنه قد جربه بالفعل وتمكن من إحياء زوجته, فاستعاره منه التجار وقتل كل منهم زوجته وحين أدركوا جميعا مصيبتهم توجهوا إلي المحتال وأوثقوه بالحبال وضعوه داخل كيس وساروا به لخارج المدينة تمهيدا لإلقائه بالبحر.. وبالطريق أدركهم التعب فناموا وظل المحتال يصرخ من داخل الكيس, حتي سمعه راعي غنم فأسرع لإنقاذه وسأله عن سبب وجوده هكذا فأخبره بأن هؤلاء التجار النائمون يريدون تزويجه من بنت كبيرهم لكنه لا يرغبها فهو يعشق ابنة عمه.. فصدق الراعي الرواية واتفق مع المحتال علي أن يحل مكانه بالكيس طمعا في الظفر بابنة كبير التجار, وحين فعل انتهز المحتال الفرصة وسرق أغنام الراعي وعاد بها للمدينة.. وحين استيقظ التجار حملوا الكيس وألقوا به في البحر وعادوا للمدينة فرحين.. لكنهم وجدوا المحتال أمامهم ومعه عدد كبير من الأغنام.. فسألوه وكيف هذا؟.. فأخبرهم بأنهم حين ألقوه بالبحر تلقفته حورية ومنحته ذهبا وغنما وأوصلته للشاطئ وأخبرته بأنهم لو كانوا ألقوا به بمكان أعمق لأنقذته أختها الأكثر ثراء منها ومنحته أموالا وأغناما أكثر وما أن سمع أهل المدينة ذلك انطلقوا وألقوا بأنفسهم في عرض البحر فماتوا جميعا غرقي ومن يومها صارت المدينة بأكملها ملكا للمحتال. للأسف نحن من يصنع المحتال مثلما صنعنا من قبل تمثالا وعبدناه.