كان انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية من اتفاق باريس للمناخ صدمة لأوروبا والعالم نظرا لمخاوف انحياز دول أخري لخطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم الانضمام إلي الاتفاقية. وبالفعل هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعدم المصادقة علي اتفاق باريس اذا لم يحصل علي المزيد من المساعدات المالية. وتنص الاتفاقية علي أن الدول المتقدمة مثل الولاياتالمتحدة ستساعد في تحول الدول النامية نحو مصادر أنظف للطاقة, وعليها تقديم100 مليار دولار, إذ يتسبب اقتصادها في صدور انبعاثات ضارة بدرجة أكبر علي مدار التاريخ, وتهدف الاتفاقية لمنع التدخلات البشرية الخطيرة في النظام المناخي والتي تشمل انبعاثات الغازات الدفينة. ورغم انسحاب أمريكا من الاتفاق فان ترامب أعلنها صراحة أن أمريكا تخرج من الاتفاق لتبدأ المفاوضات حول الانضمام إليها من جديد أو إلي اتفاقية أخري بشروط عادلة لقطاع الأعمال الأمريكي, وهو بذلك يلقي الكرة في ملعب أوروبا للبحث عن حل وسط يضمن انضمام واشنطن للاتفاق فهل توافق أوروبا علي الشروط الأمريكية ؟ من أروقة قمة العشرين التي عقدت أخيرا في هامبورج نستطيع أن نستشف عقلانية أوروبية غير مسبوقة للتعامل مع أمريكا بشأن ملف المناخ حيث تركت الباب مفتوحا أمام أي تراجع أمريكي محتمل. والحقيقة أن قمة العشرين أعطت بعض الأمل لإمكانية تراجع أمريكا عن موقفها حيث أعرب جميع الأعضاء بمن فيهم واشنطن عن استعدادهم لتطوير تكنولوجيات الطاقة النظيفة ومكافحة التغير المناخي, وأعرب ترامب عن ضرورة ضمان بيئة نظيفة والتعاون مع الجميع في هذا المجال. ورفضت القمة القطيعة التامة مع أمريكا وأبقت الباب مواربا لاحتمال انضمامها لاتفاق باريس لكن في إطار تنازلات محفوفة بالمخاطر. وفي خطوة استثنائية منحت البلدان ال19 الأخري ترامب فقرة في الإعلان النهائي للقمة مخصصة لأمريكا تقول فيها الولاياتالمتحدة إنها تتعهد بخفض الانبعاثات بما يتناسب مع النمو الاقتصادي. وكان هذا انتصار واضح لمجموعة العشرين التي تمكنت من إصدار بيان يتيح للرئيس ترامب العودة لاتفاق باريس لأن أوروبا وأعضاء العشرين لم يفقدوا الأمل في إعادة الولاياتالمتحدة إلي الحظيرة العالمية ضد الاحتباس الحراري. ونقطة الخلاف أن أمريكا تسعي للترويج لمواردها من الغاز والنفط الصخري في الخارج خصوصا في دول أوروبا الشرقية التي تعتمد علي الغاز الروسي. وما يؤكد اعتزام العالم المضي قدما في مكافحة الاحتباس الحراري, إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيرا عن قمة لمكافحة تغير المناخ في12 ديسمبر المقبل خاصة علي الصعيد المالي, مؤكدا أنه لن ييأس من إقناع أمريكا للانضمام إلي الاتفاق. ويجب علي العالم أن يتعاون لدرء آثار التغير المناخي التي لم يعد أحدا بمنأي عنها مثل الجفاف والمجاعات في إفريقيا والأعاصير, وموجات الحر الشديدة التي تضر بالإنسان والمحاصيل وتهدد السلم والأمن الدوليين. وهناك أشكال أخري لتأثير المناخ علي البيئة مثل ثورات البراكين والعواصف الترابية, ولذا علي العالم أن يتحد لمكافحة الغازات المنبعثة من الصناعات المختلفة مثل تكرير النفط ومصانع الاسمنت وإنتاج الطاقة الكهربائية, كما ينبغي تجريم إزالة الغابات والأشجار التي تعتبر أكبر مصدر لامتصاص غازات الاحتباس الحراري خاصة غاز ثاني أكسيد الكربون. التغير المناخي أيضا له تأثير سلبي علي المناطق الزراعية مما سيزيد من معدلات التصحر, كما أن ارتفاع مستوي سطح البحر سيؤدي إلي غرق مساحات من أراضي الدول بما يعني فقدان الأراضي الخصبة المأهولة بالسكان. وتشير بعض الدراسات إلي أن الزراعة في العالم العربي مهددة بسبب التغيرات المناخية مما يعرض تلك الدول لخطر انخفاض إنتاج الغذاء بمعدل%50 بما يعني حدوث آثار كارثية علي الأمن الغذائي في الوطن العربي.