لم تكن ثورة30 يونيو علامة فارقة في تاريخ مصر فقط بل قلبت الموازين والحسابات العالمية والدولية التي خططت لتغيير خريطة المنطقة علي غرار ما حدث قبل مائة عام في اتفاقية سايكس بيكو.. جاءت الثورة لاستعادة الدولة المصرية التي تعرضت لمحاولة إعادة تشكيل هويتها وثقافتها واتباع سياسة التهميش ونشر خطاب الكراهية والتفرقة.. ضاعت سنة وثلاثة أيام من عمر مصر تحت حكم خفافيش الظلام كانت البلاد أحوج ما تكون فيها لاستثمار كل يوم للبناء والتقدم والاستقرار.. كانت30 يونيو فاصل بين زمنين ونقطه فارقه بين عصرين.. فالفترة من ثورة25 يناير وحتي ثورة30 يونيو هي مرحلة هبوط حاد في المؤشر المصري حيث بلغ أدني مستوياته مع عصر من سرقوا الثورة وسحبوا البلاد معهم إلي حافة الانهيار.. ولولا ذكاء المصريين ما اكتشفوا المخطط مبكرا.. وقاموا بثورة عظيمة ساندهم فيها الجيش لاسترداد الوطن وإنقاذه من الهبوط نحو الهوية. جاءت30 يونيو لتصحيح المسار المصري باقتدار وتحول خسائره في سنوا ت الاستنزاف وعام الاختطاف الي انجازات ملموسه علي الأرض بصرف النظر عن انكار الحاقدين والكارهين لها.. عاد الأمان المفقود وانتعش الاقتصاد بحزمة الإصلاحات الضرورية والمؤلمة أحيانا.. وزادت معدلات النمو واتسع نطاق تحسين البنية الأساسية بمشروعات متنوعة مابين إسكان وطرق واستصلاح اراضي وبناء وتشييد وقناة السويس.. رغم ماتحقق فالطريق مازال طويلا للوصول إلي الهدف المنشود لكن مصر عصية علي من يحاول تغيير هويتها وثقافتها وحضارتها وتاريخها الطويل يشهد بذلك كل من حاول وفشل أن مصر غيرت في الجميع ولم تتغير, أثرت في ثقافات وسلوكيات وعادات كل المعتدين علي مر العصور فذابوا فيها وتلونوا بألوانها وظلت هي كما كانت محتفظة بأصلها ورونقها وحضاراتها ولغتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها وهويتها. 30 يونيو أعادت بناء الوطن أمنيا واقتصاديا وسياسيا ومازال الطريق طويلا وصعبا يحتاج إلي مشاركة الجميع والتوحد حول هدف واحد هو مصر. إن ما تم إنجازه من بداية الثورة حتي الآن يبهر الجميع ويصيب من ظن أننا علي حافة الانهيار بخيبة الأمل فيزداد سعارهم وإرهابهم من أجل إيقاف تقدم الوطن. لقد عشنا قبل يونيو أسري للخوف والإحباط والاكتئاب, عشنا القهر والظلم والألم, كانت كل طموحاتنا فردية وأحلامنا شخصية, كنا في جزر منعزلة تسودنا حالات اللامبالاة والشكوي المستمرة دون أن نتقدم خطوة واحدة للأمام كنا نشعر بأن أمل التغيير والخروج من هذا الهم قد تبدد مع فئة تنشر سمومها ليل نهار في كل مكان لا تقدم عملا أو حلا من شأنه أن يفك الحصار النفسي والمعنوي والمادي والسياسي أو أن يزيل حالة الاحتقان بين أبناء الشعب. كانت تسيطر علينا حالة من الانهزامية أمام النفس والظروف والحكام علي حد سواء حتي انتفض شعبنا العظيم الذي سانده وحماه خير أجناد الأرض ليفك الطلاسم ويزيل نكسة حلت علي الوطن في غفلة من الزمان. تظاهر الناس علي اختلاف ألوانهم وثقافاتهم ودياناتهم وطبقاتهم وأعمارهم ومهنهم وطموحاتهم وانتماءاتهم وأوضاعهم المادية والاجتماعية وولد معهم الأمل من رحم الألم وأعادوا الثقة في أنفسهم لاستعادة وطنهم المخطوف من عصابة لا تعرف معني الوطن. وبعد استرداد مصر حان الوقت الذي يجب أن ندرك فيه أن الثورة مسئولية وأمانة في أعناقنا جميعا يجب الحفاظ عليها فالثورة ليست شعورا لحظيا ولا تمر مرور الكرام ولم تكن ليالي رفعت فيها جموع الشعب أرواحهم علي أكفهم مضحين في سبيل الوطن لتنطفئ أو تتبخر في الهواء فروح الثورة لابد أن تنمو وتنشر مبادئها في كل مكان ونتذكر دائما أنها كانت ضد قلة مغتصبة للوطن تستبيح ما فيه.. ثورة ضد نظام بني علي الظلم والاستبداد والظلامية وتشعبت خلاياه السرطانية في جسد الوطن وكان علي الشعب أن يستأصله ولا يسمح بعودته مطلقا في أي شكل أو صورة أو تحت أي مسمي. إننا في أوقات عصيبة تحتاج تضحيات كبيرة وكثيرة لابد أن تتغلب فيها مصلحة الوطن علي المصالح الفردية فالوقت لا يحتمل استعراض من هنا أو هناك أو اتهامات أو تلاسنات غير مفهومة أو مبررة من بعض التيارات أو التنظيمات أو الجماعات أو المنظمات أو حتي الثائرين دون هدف واضح أو المنقادين خلف أفكار ولت أو الحالمين بدور أكبر من قدراتهم وأعلي من طموحاتهم أو الانتهازيين المستغلين الذين يصطادون في الماء العكر أو حتي المتفرجين الواقفين علي حافة المشهد وكأن البلد ليس بلدهم والوطن ليس ملكا لهم. إلي كل هؤلاء انتبهوا جميعا نريد أن ننقذ الوطن وأن نصعد به إلي مرتبة عليا تليق به فنحن لا نعمل عند نظام أي نظام بل إن النظام هو بالأساس خادم للشعب فلابد من التخلص من رواسب الماضي الحاضر وأن نبتعد عن فقدان الثقة والتخوين وما يعكر صفو الحاضر وأن نستحضر الأمل والرغبة في التقدم وأن نسرع بوتيرة متسارعة في بناء الدولة بمؤسساتها العامة والخاصة.. الحكومية والأهلية وأن نصل بأنفسنا إلي السمو الأخلاقي والسياسي والثقافي وأن ننأي بأنفسنا عن هدم الدولة وتكسير مفاصلها والتشكيك في إنجازاتها أو اللعب علي أوتار الخيانة وفقد الثقة والنقد الهدام, يجب أن نمسك في ظل هذه الظروف بزمام المسئولية وروح المبادرة والعمل. المبادرة التي يجب أن تنبع من الفرد قبل الجماعة ومن الشعب قبل الحكومة ومن المواطن قبل الرئيس وتعتمد في مجملها علي إيماننا بالوطن وأن ننزع عن أنفسنا الاستبداد الداخلي وأن نترفع عن الضمائر وألا يتحول كل منا إلي ديكتاتور داخل نفسه في مواجهة من يخالفونه في الرأي. الثورة جاءت من أجل القضاء علي الفرقة وتمزيق الدولة ومحو هوية الوطن والاستبداد بكل أنواعه وأشكاله جاءت لتفسح المجال أمام الجميع لخدمة ورفع رايتها عالية فلا وصاية من أحد علي أحد وليس من مصلحة أحد أن يمتلك ناصية الرأي والحقيقة علي حساب الآخر. أن المشهد العام, إذا لم تتضافر فيه الجهود ويعلو ويسمو فيه الوطن, ينذر بخطر جسيم قد يعصف بالجميع فالكل خارجيا وداخليا يترقب سواء كانوا من المحبين أو الحاقدين ما تسفر عنه الأيام.. فإصلاح فساد سنوات لن يأتي بين يوم وليلة وما تم إنجازه في ثلاث سنوات يفوق خيال وتصور من توهموا أن الدولة ستسقط أو تنهار. إننا في مرحلة تحتاج من الجميع أن يحافظ عليها ويحميها وأن يؤمن بحجم الإنجازات وما تقوم به الدولة من أجل تحقيق الأهداف الكبري. لو تأملنا الصورة العامة للواقع المصري فإننا نري مشاكل كثيرة لا حصر لها علي كافة المستويات.. لكن سبل الحل موجودة وشرعنا في مرحلة البناء لكن النهوض بالوطن لا يعتمد علي النوايا الحسنة أو الاحتفاظ بمقاعد المشاهدين بل الأمر يتطلب أن يمد كل منا يده للآخر ويرمي وراء ظهره مسببات الفرقة والتشرذم وأن يقف خلف الدولة لتخرج من عثرتها وأن يتخلص من دعاة الثورة المضادة التي تعصف بأي تقدم فهي ثورة في الأساس ضد الشعب ودعاتها من دعاة الهدم وفلول الأنظمة السابقة وأفكارها من المغردين خارج سرب الوطن والمتربصين به والمستغلين لأزماته في ذرع الفتن والقلاقل وإبعاد المواطنين عن طريق تصحيح المسار وتحويل الجميع عن الأهداف الحقيقية وإدخالهم في ثرثرات ومهاترات لا طائل من ورائها سوي إنهاكهم وتفكيكهم ونزع الثقة والأمل من صدورهم وتصدير الإحباط العام ليفقد الجميع الرغبة في العمل والتقدم. لابد من فتح صفحة جديدة تضم المصريين جميعا يترفعون فيها عن الصغائر والمصالح الضيقة وأن ينظروا للمستقبل ويساعدوا الحكومة والرئيس كي يستكملوا المسيرة ومشروع إنقاذ الوطن. وفي النهاية تقع علي الإعلام مسئولية كبيرة من أجل أداء دوره والنهوض بالوطن وإيجاد حالة من الهدوء ومناخ صحي يساعد علي البناء ويسعي نحو الحقيقة المجردة وإعلاء مصلحة الوطن وتبصير المواطنين بأهمية التكاتف والبعد عن الصراع أو المزايدات لتأخذ مصر مكان الريادة ونتذكر دائما أن30 يونيو كانت العلامة الفارقة في تاريخ مصر والمنطقة بأكملها.