كنا بالأمس القريب نستقبل شهر رمضان وها هو الضيف العزيز يوشك علي الرحيل شاهدا لنا أو علينا وهذه سنة الله في خلقه بأن لكل مقيم في هذه الدنيا ارتحالا, ولكل مخلوق زوالا فإن الأيام والسنين ترحل وتنقضي وما عمرك إلا ساعات وأيام فأنت كذلك أيها المسلم راحل مع الراحلين ولا اختيار لي ولك في ذلك فهي أجال محدودة وأنفاس معدودة يقول تعالي: ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون الأعراف34, ويقول الحسن البصري: يا ابن آدم, إنما أنت أيام, كلما ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم فاعمل فأنت أيها المسلم عبارة عن عدة أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب جزء منك ألست تذكر معي من كان صائما معنا في العام الماضي ثم انقضت أعمارهم كما انقضي رمضان؟ أين هم الآن؟ وإلي أي شيء تحولوا؟ لقد وراهم الثري وأصبحوا من الماضي الذي يقال عنه كان وكنا فهل أنت متصور أن الموت علي غيرك قد كتب وأنك من المخلدين؟ فاتعظ أيها المسلم برحيل رمضان فأنت كذلك راحل من منا يتوقع أن يمسي ولا يصبح أو يصبح ولا يمسي كما كان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك البخاري, فكم من زراع لم يحصد زرعه وكم من طابخ لم يأكل منه وكم من مشيع شيعوه وكم من حامل لميت حملوه وكم وكم فاتعظ أيها المسلم وسل الله حسن الخاتمة واختم شهرك خير ختام فإنما الأعمال بالخواتيم فاجعل ختام شهرك الاستغفار والتوبة, فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة ولقد كتب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتابا إلي أهل الأمصار يأمرهم فيه بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر, وقال في كتابه هذا: قولوا كما قال أبيكم آدم: قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين الأعراف:23, وقولوا كما قال إبراهيم: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين الشعراء:82 وقولوا كما قال نوح وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين هود:47, وقولوا كما قال موسي قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي القصص:16 وقولوا كما قال ذو النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين الأنبياء:.87