ما أسرع مرور الأيام وتعاقبها, وانقضاء السنين وتلاحقها.. فقد كنا في لهفة ننتظر قدومه.. نستبشر برؤية هلاله, وفي اشتياق للأنس به.. وها هو يغادرنا بعد انقضاء أيامه ولياليه وقرب أفول هلاله. رمضان يحزم أمتعته ويوشك علي الرحيل.. فطوبي لمن صامه إيمانا واحتسابا وختم فيه القرآن الكريم مرة ومرات, ومن قام لياليه إيمانا واحتسابا, وحث أهله ومعارفه علي فعل الخيرات وترك المنكرات, وطوبي لمن تذكر وترحم علي فقيد في ثورة لم تحقق أغراضها, أو قتيل في حرب دينية فاشية, أوشهيد في تفجير غادر بمراكز وحراسات الجيش والشرطة, أو من تذكر الفقراء الجوعي بسبب غلاء الأسعار وتغولها, أو من دعا لأشقائه في العراق وليبيا وسوريا واليمن بلم شملهم وعودة نازحيهم إلي بيوتهم وأوطانهم!!. إن رمضان دائما يعني عودة الروح للإنسان.. فصوم أيامه غسل للقلب والروح والبدن من سموم الغضب والشغب والصخب والكراهية والأحقاد والاستهتار بالحياة والإسراف في إضاعة الزمن. كما أن رمضان يسمو فوق العادات والعداوات وفوق الشحناء والبغضاء, فتتصافح القلوب وتتسامح الأنفس وتشتد الروابط وتحل الرحمة والسكينة, وهو ميقات تحج القلوب إلي ربها. رمضان.. يقظة الإيمان وراحة البال وصلاح الحال وسكون القلب ولذة الفؤاد وهدوء النفس وطمأنينة الوجدان وصفاء القلوب وقوة الإرادة والعزيمة الصادقة والهمة العالية وبناء الأمم وتطهير المجتمعات, وتربية الرجال وتمحيص المذنبين, وضبط الشهوات ومحو الذنوب والآثام. رمضان.. شهر الانتصارات والفتوحات, وكم سجل المسلمون والعرب مجدهم في هذا الشهر المبارك, وآخرها انتصار العاشر من رمضان عندما سحقت قواتنا المسلحة المصرية, العصابة الصهيونية بترسانتها وعدتها عام.73 ولأن الله إبتلانا الآن بحروب الوكالة والغدر والتمويلات والخيانة, علاوة علي حروب الأمراض والحكام والغلاء فوجب علينا أن نصبر ونحتسب ونعبد الله خير عبادته ونتوكل عليه حق التوكل, وأن نجتهد بالدعاء الذي لم نعد نملك غيره, ليرفع عنا ما نحن فيه وعلينا أن لا نجزع ونتشاءم ونتطير لأنه والله إذا عبدنا الله حقا وعملنا بما أمرنا وإتبعنا الحق لنصرنا ورفع شأننا. فلقد قال الله تعالي اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. فهل بعد ذلك ينقصنا شيء ؟ وهل هناك شيء نختلف عليه ونقتل أنفسنا من أجله ؟ كلا.. إنما هو ضعف الإيمان وفتن الحكام والشيوخ ومكائد الشيطان.. ففتنة بني إسرائيل كانت النساء وعدم التناهي عن المنكر, ونحن أضيفت علينا فتنة الدين وهي من أخطر وأشد الفتن حتي أصبحنا جماعات متفرقة وتصنيفات مبغضة فهؤلاء أهل السنة والجماعة والصوفية..وهؤلاء أهل الشيعة والسلفية, وذاك المتشددون والمتساهلون والدواعش والتكفيريون وغيرها من المسميات الدينية والحزبية والدنيوية وكلها مسميات اخترعها أعداء الدنيا والدين!!. إننا ونحن نودع رمضان2017 عليك عزيزي القارئ واخي المسلم أن تكون تجعل من بقية السنة رمضان فتفتح قلبك المغلق بمفاتيح التسامح وتطرق الأبواب المغلقة بينك وبين الجميع, وتضع باقات زهورك علي عتباتهم وأن تحرص علي أن تبقي المساحات بينك وبينهم بلون الثلج النقي. وعليك أن تتذكر أولئك الذين كانوا ذات رمضان يملأون عالمك أباك وامك ووزوجتك وابنك وصديقك ثم غيبتهم الأيام عنك ورحلوا كالأحلام تاركين خلفهم البقايا الحزينة تملؤك كلما مررت بها, أو مرت ذات ذكري بك. عليك أيضا ان تفقد ذاكرتك الحزينة فلا تتحسس طعنات الغدر في ظهرك ولا تحصي عدد هزائمك معهم, ولا تسجن نفسك في زنزانة الألم ولا تجلد نفسك بسياط الندم واغفر للذين خذلوك والذين ضيعوك, والذين شوهوك والذين قتلوك معنويا, واغتابوك وأكلوا لحمك ميتا علي غفلة منك, ولم يشفع لك لديهم سنوات الحي الجميل, وقل اللهم إني غير شامتفي نواكب الزمن ضدهم وحصائد أفعالهم. وأخيرا.. عليك أن تغمض عينيك بعمق لتدرك حجم نعمة البصر, ولتتذكر عمي القبر لظلمته ووحشته وعذابه, وأحبة رحلوا تاركين خلفهم حزنا بامتداد الأرض, وجرحا باتساع السماء وبقايا مؤلمة تقتلك كلما لمحتها, وذكريات جميلة أكل الحزن أحشاءها, وتباك إن عجزت عن البكاء, لعل الله يغفر لك ولهم....وكل عام وأنتم في قبول وطاعة.