(إن مأساة عصرنا هي كون البلاهة تفكر).. هكذا أوجز جان كوكتو حقيقة الحقائق المرتبطة بهذا العصر بل بغيرها من العصور سابقة كانت أو لاحقة, لكن أحدا لم ينبهنا لماذا كان هذا العصر تحديدا هو الذي قد علت فيه أصوات البلهاء والمأفونين والموتورين من ذوي الأهواء, بينما نعايش لحظة استثنائية من الوعي المعرفي لم يكن ليتسامي فيها الأراذل علي أي نحو!! ومن ذلك فقد اعتدنا من ذلك الرجل الفاني المترنح بين هواجس الدونية وأشباح العدم أن يثير الزوابع دون طائل, لأنه بالفعل لا يعي في أي لحظة يتحدث وعمن يتحدث وعن ماذا يتحدث ولماذا يتحدث؟! تاهت لديه مفاتيح القضايا فانكب علي ذاته لا يعي هل غاب زيد أم حضر وصار الزمن لديه وحدة واحدة لا تحمل غير مسمي مطلق فلا فواصل بين ماض سحيق أو مستقبل قريب أو حاضر مشهود. اندثرت لديه فكرة أن تاريخ الأمم قصير جدا إذا ما قورن بمبادئ الأمم نفسها كما قال جوستاف لوبون. لكن ما الذي جعل زيدان أسيرا لحالة كتلك إلا ذلك الإحساس الفتاك بالضياع..ضياع حلمه في أن يكون كاتبا أو أديبا ذا خطر, وقد اعتمد أدوات لا تبلغه أن يكون شيئا من هذا, فالحلم المقدس لا يتسق مع إمكانات ذهنية متهاوية أوقعته في أخطاء علمية فادحة علي صعيد التاريخ, الحضارة, العقيدة, التراث بينما الرؤية الفكرية المستقيمة تخضع للنقاش والجدل وتترفع علي الانغلاق والأحادية والحماقة. أبي زيدان كل تلك الفضائل العقلية وآثر أن يعشق لغة التطاول والتهكم والاستهزاء والسخرية والسب والتعريض والاتهام والاستهانة بالمقدسات الإسلامية لا اليهودية بالطبع!! من ثم عاد ثانية ليصب غله وأحقاده وضغائنه ممارسا انتقامه الشرس من عدوه اللدود صلاح الدين الأيوبي واصفا إياه بأنه أحقر شخص في التاريخ ليس الإسلامي بل الإنساني بشكل عام, ذلك ليشفي صدور قوم علقوا عليه آمال التشويه والتجريح والإساءة انتصارا للتاريخ اليهودي, لكن الذي يناط إليه مهمة كتلك كان لابد له أن يعي أن اللغة الممجوجة المنكرة التي استخدمها زيدان ليست لغة علم ولا هي لغة فكر أو ثقافة, إنما هي لغة قوم آخرين أعلنوا عن إفلاس معرفي غير مسبوق. ولابد أن يعي أيضا أنه لا يملك من الدوافع الفكرية أو ظرفيات اللحظة التاريخية ما يثير به قضية غير ذات أولوية, وأن يعي أن الوطنية الحقة توجب عليه ان يقوم بتوظيف حركة التاريخ كقوة ناعمة لا طاقة خشنة سالبة. وأن يعي كذلك أن من كانت حرفته نبش الماضي لتحويل اشراقاته إلي بؤر ظلامية فالأجدر به أن يلتفت إلي تاريخه المشحون بالسوءات والذي أشرنا إليه من قبل في سلسلة من المقالات الحادة لغة وفكرا والتي كانت تحمل عنوان نفس هذا المقال, حاولنا خلالها استنطاق الحجر وقدمنا وقائع ودلالات لكنه يفتقد دائما ملكة الرد, فالذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه إنما يؤكد بالضرورة كل ما حام حوله من شكوك سرعان ما تحولت إلي حجج وقرائن وأدلة وثوابت. ويكفي أنه ومنذ عامين بل حتي الآن ظل ذاهلا إثر تلك التساؤلات التي طرحت عليه من قبل والتي أحدثت بدورها صدمة عقلية ونفسية ارتعدت لها أعماقه ولاتزال فبدأ يتخبط مجددا, ولعلنا نريد تقديمها إلي القارئ ليستبين موقع زيدان من المصداقية والنزاهة الأكاديمية وقد جاءت علي نحو كهذا:لماذا استولي عليه السكوت إثر فصله من جامعة الإسكندرية بناء علي قرار لجنة الترقيات بسرقة بعض الأبحاث العلمية؟..ولماذا تم فصله كذلك من مكتبة الإسكندرية؟..وما هو المعني الضمني وراء ذلك؟..وما سر السكوت أيضا علي اتهامه بسرقة رواية عزازيل- عمدة أعماله من الرواية الإنجليزية المغمورة لتشارلز ماكنجزلي؟..وما أبعاد قضيه الاستيلاء علي فهرسة مخطوطات رشيد دمنهور ووضعها في كتاب يحمل اسمه؟! إن الذي يريد أن يتفكه ويتضاحك ضحكات رنانة عليه أن يرصد آراء زيدان علي اختلاف مناحيها وتوجهاتها باعتبارها ملحمة هزلية تدخل ضمن طرائفها جريمة صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس..تلك العقدة الكامنة التي لم يستطع زيدان الانفلات منها ولا مما تشيعه من كبت مستحكم إلا حين قدح صلاح الدين وسبه وأطفأ طاقات الجحيم الداخلي بتلك السعادة الغامرة التي أعرب عنها ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي مهنئا نفسه ودولته بصفحات التاريخ الزائف الذي يخطه زيدان ذلك بنزع القدسية عن أكبر إرهابي, ومرددا كذلك أن ما قاله زيدان عن الأقصي إنما يدفع باتجاه إيجابي بكون القدس عاصمة أبدية لإسرائيل وهنا يتوالي طوفان التساؤلات علي غرار:هل يعد تقييم صلاح الدين هو قضية اللحظة؟..وهل كان في حاجة الي تقييم؟..وإذا كان كذلك فمن يقيم؟..وهل تتمثل جدوي ذلك في إعلاء الحقائق التاريخية أم في تشويهها وتزييفها؟..وما هي الدوافع الخفية وراء ضرورة إعلان رأيه في صلاح الدين؟..وأي قيمه لرأي قوامه الهوي وآلياته السب؟..ومتي كنا في حاجة لرأي زيدان في شيء ما دامت كل آرائه تمثل جوهر الشطح والتطرف والشطط ولا تجنح نحو الموضوعية والحياد؟..وأين موقع زيدان إلي جوار القامات الاستشراقية التي سجلت رؤيتها في صلاح الدين كنموذج للبطولة ورائد للإستراتيجية العسكرية؟..وكيف نكذب المؤرخين وفلاسفة التاريخ ونصغي لما يقدمه زيدان من هرطقات مصدرها الإغراض قبل الجهل؟ ويبقي سؤال الأسئلة..هل يدافع زيدان عن الحقوق المزعومة لليهود في الاقصي والقدس من منطلق عرقي أنثربولوجي..أم استهدافا لتصحيح الوقائع التاريخية؟ وعلي ذلك فنحن في انتظار جولة أخري لزيدان يعيد لنا فيها كتابة التاريخ البشري بتفصيلاته ودقائقه ومواقفه وشخصياته ووقائعه لكن من منطلقات ومنظورات صهيونية خالصة!!