أحبب ما تفعل حتي تفعل ما تحب, مقولة نرددها كثيرا ونستخدمها كمسكن لطيف لاستكمال السير في طريق لا نشعر بأنه يناسب ميولنا واهتماماتنا, والنتيجة أن كثيرا منا يعمل في وظيفته بدون شغف حقيقي يدفعه للتقدم, ولم يجرؤ معظمنا علي التفكير في كيفية الوصول إلي أن نعمل ما نحب, ولكن الشاب المصري محمد تهامي أخذ طريقا مختلفا, بل أخذ قرارا جرئيا ليسير خلف شغفه ويصقله بالعلم والمعرفة والخبرة إلي أن وصل لقناعة كاملة ليس فقط بضرورة أن يتخلي عن عمله كمهندس اتصالات في إحدي كبريات المؤسسات العالمية, ليعمل في المجال الذي أحبه, بل نذر نفسه أيضا لمساعدة الآخرين في اكتشاف شغفهم بالمجال الذي يتناسب مع ميولهم, ليغامروا معامرة محسوبة بترك وظائفهم المملة وتوجيه طاقتهم للعمل الذي يحبونه, وعن رحلته ومنهجه الذي وضعه بنفسه لمساعدة الآخرين كان لنا معه هذا الحوار الذي قد يلهم الكثير منا ويساعدهم علي اكتشاف مواهبهم والحياة بالطريقة التي ترضيهم وليس بالطريقة التي تتيحها لهم الظروف. في البداية سألته: كيف جرؤت علي اتخاذ قرارك بتحويل مسارك المهني من هندسة الاتصالات وتحولت للتدريب ومساعدة الآخرين؟ اكتشفت شغفي والمجال الذي أحب أن أمارسه وهو أن أكون متحدثا وداعما وملهما للآخرين في آخر سنة بالكلية, وذلك رغم أني لم أمارس هذا العمل من قبل ولا جربته ولا وجدت من اكتشف في هذه المهارة, ومع ذلك لست نادما علي دراسة الهندسة أبدا. هل تري أن اكتشاف الموهبة من الصغر يمكن أن يوفر علي الإنسان وقتا طويلا قد يقضيه في دراسة مجال لا يحبه؟ المسألة لا علاقة لها بالموهبة بقدر ما لها علاقة باكتشاف الشخص لذاته وللمجال الذي يحبه حتي لو لم تكن لديه موهبة أو خبرة فيه, وهنا أقصد المجال الذي يستهويه ويشعر بالفضول والشغف عندما يري شخصا آخر يمارسه يدفعه للبحث عن طريقة ليتعلم كيف يقوم بهذا الأمر, وهذا كان يحدث لي عندما أري متحدثا يلقي محاضرة, لأنني بطبيعتي شخص انطوائي رغم أنني مثقف, وكان من الصعب علي أن أتخيل أنني أقف أمام جموع غفيرة لأتحدث, ومع البحث والقراءة عن مواصفات المتحدث والملهم الجيد ذهلت عندما عرفت أن من أهم صفات المتحدثين الناجحين أنهم انطوائيون, لأنهم يقضون وقتا طويلا في القراءة والبحث والتفكير والتحضير للمحاضرات التي يلقونها, لذلك يتحدثون بصدق عما يؤمنون به بغض النظر عن المجال الذي يعملون فيه, ومع ذلك تخرجت في الكلية بتفوق وعملت كمهندس لأني أخاف من المخاطرة, ومع ذلك لم أنس حلمي وبدأت بجانب عملي السعي لتحصيل المعرفة في هذا المجال بجانب عملي. وكيف القرار في تلك الفترة التي عاني فيها الجميع حالة عدم استقرار أمني وسياسي واقتصادي؟ كنت أتقاضي مرتبا جيدا ولي وضع اجتماعي ووظيفي جيد في شركة عالمية, بعد تخرجي مباشرة, فكيف لي أن أترك كل هذه المميزات؟ خاصة أنني لا أجيد مهارة إدارة الأعمال والبيزنس يكفي عائده لتلبية متطلبات الحياة, واكتشفت أنني درست ما أحبه حتي أصبحت خبيرا فيه, لكني لا أعلم شيئا عن تحويله إلي عمل يدر علي دخلا, فبدأت دراسة إدراة الأعمال لمدة عامين ونصف العام تقريبا بجانب عملي بالهندسة, واستغرقت هذه المدة لأنني استفدت من عملي بالهندسة في تعلم ضرورة تجنب المخاطر, فكنت أبحث عن طريقة تشمل أقل درجة من درجات المخاطرة التي تتعرض لها الأعمال الجديدة حتي لا تحدث بحياتي هزة عنيفة. كم كان عمرك عندما اتخذت قرار ترك الهندسة وبداية حلمك؟ تخرجت عام2003, واتخذت قرار ترك الهندسة في يناير2012, أي بعد نحو عشر سنوات عملت خلالها بالهندسة, كان وضعي في العمل وقتها مستقرا, كانت علاقاتي بزملائي ورؤسائي بالعمل الذي يقع علي بعد ربع ساعة من منزلي جيدة جدا, ومرتبي جيد وأتمتع بكل الضمانات التي يحتاجها أي إنسان في حياته العملية, وكانت ظروف البلد وقتها صعبة, والمقربون مني اعتبروا استقالتي جنونا في ذلك الوقت رغم قناعتهم بالخطوة, خاصة أنني كانت لدي طفلة صغيرة مليكة علي أن أؤمن لها مصاريف كافية, لكني فكرت في أن استقالتي في ذلك الوقت أفضل بكثير من تأجيلها لوقت قادم قد تتزايد فيه المسئوليات المادية علي, وكان لدي يقين داخلي بأن هذا هو التوقيت المناسب, وكنت قد خططت لعدم حدوث أي هزات مادية, ونفذت القرار وتعجبت بعد ذلك من كمية الأحداث الجيدة التي مرت بحياتي, فقد ألفت المزيد من الكتب التي لاقت نجاحا, وبعدها فكرت في تحويل هذا العمل لمنظومة تدريبية فقدمت منهجpassiontoprofit متكاملة لأساعد الآخرين في تحويل شغفهم إلي عمل مربح يمارسونه بجانب عملهم الأساسي بأقل قدر من المخاطرة, حتي إذا ما حان الوقت عليهم أن يختاروا ما بين ترك الوظيفة والاستمرار في عمل يحبونه, والغريب في الأمر أني وجدت بعض الشركات الكبري تطلب مني تدريس هذا المنهج ل80 شخصا من موظفيها في القاهرة والإسكندرية, وكان ذلك صدمة بالنسبة لي لأن المنهج يشجع الموظفين علي ترك وظائفهم, ثم أدركت أنهم رأوا أن ذلك في حد ذاته لمصلحة الشركة, فمدير الموارد البشرية بأي شركة يدرك أن عمل الموظفين معه تحت ضغط عدم حب العمل سيؤدي حتما إلي الانفجار في وقت ما, فمن مصلحة الشركة أن تساعد الموظفين في اكتشاف ما يريدونه, ولو اختاروا أن يبقوا في العمل سيكون ذلك عن قناعة منهم, ولو كان من بينهم من يريد ممارسة عمل آخر فيساعدونه علي اتخاذ قرار ترك العمل ليمارس ما يحبه, دون أن تتحمل الشركة مشكلات فصله من العمل أو سوء الأداء في العمل. إذن فهم يساعدونه علي اكتشاف شغفه ويتركون له خيار ترك العمل لشخص آخر يحتاجه أكثر! فعلا, هم يساعدونه علي اكتشاف شغفه, وله أن يقرر إذا أراد أن يمارسه في العمل معهم, أو يترك العمل لغيره, لأن الجميع سيخسر لو كان الموظفون يعملون وهم كارهون للعمل الذي يؤدونه, كما أن الشركات مهما كان حجمها فلن تستطيع منح الموظف مرتبا يكفيه في ظل ظروف البلد الحالية وارتفاع الأسعار, فمن مصلحتها أن تشجع الشباب علي إنشاء مشروعات خاصة تساعدهم في المعيشة حتي لو كان ذلك بجانب عملهم الأساسي. فهذا سينعكس حتما علي رضائهم النفسي. أعتقد أن من يحب شيئا لن يستطيع التخلي عن حلمه بسهولة؟ للأسف, ممكن يتخلي عن حلمه لو كرهه وكره العاملين فيه, فمثلا, هناك من يحب التمثيل بشدة, ولكن عندما تريد ممارسته تجد أن الأمر صعبا ويحتاج إلي وساطة أو سلوكيات معينة تصعب عليه ممارستها, لذلك لا أريد أن أضع حدودا علي خبرة الطلبة, لأنهم لابد أن يستمروا في التعليم ثم يمارسون الأعمال التي يظنون أنها تناسبهم, ولو فشلوا في ذلك يأتون لي لأساعدهم, والأهم هو أني غير مؤهل للتعامل مع هذه الفئة التي ربما يكون هناك من هم أفضل مني في التعامل معها. لكن منهجي مخصص للموظف الذي يعاني بالفعل. هل اعتمدت في عملك علي دراسة؟ الدراسة التي اعتمدت عليها تشير إلي أن هناك850 ألف شخص يدخل سوق العمل كل عام ويبحث عن وظيفة, وهم خريجون لكليات فنية وأدبية وعلمية, وهؤلاء بلا شك يحتاجون لمجهود جبار لاستيعابهم, وفكرةpassiontoprofit ممكن تؤدي لزيادة الإنتاجية داخل سوق العمل لو تم اكتشاف شغف هؤلاء وهل له علاقة بالعمل الذي يمارسونه أم لا. هل يمكن أن ينسحب هذا المنهج من اكتشاف الشغف وتغيير مجال العمل, إلي تغيير شخص ما لنمط الحياة المؤلمة بشكل كامل؟ بمجرد تركيز أي شخص علي التفكير فيما يحبه, سيتجه تفكيره كله لما يمكن أن يجعله قادرا علي إعادة توازن حياته كلها, بما في ذلك من التنازل عن العلاقات السلبية التي تعرقله ليتركها ويركز علي ما يريد القيام به, وقتها سيجد أن حياته تتزن من تلقاء نفسها. ألم تفكر في عرض برنامجك علي المسئولين عن التنمية الإدارية؟ من خلال خبرتي علي مدي14 سنة من التدريب, اقتنعت بأن هناك فارقا كبيرا بين أن يسعي الشخص بنفسه ويبحث ويتعلم من أجل حل مشكلته التي يعاني منها, وبين أن يتلقي محاضرة في مكان عمله من شخص حضر ليقول له كلمتين وينصحه بأنه يفكر يعمل مشروع أو أن يبحث عن سعادته في مكان آخر, والنوع الأول أشعر بأنه هو الذي يحتاج بالفعل لما أقدمه, لأنه مقتنع وعنده إرادة التغيير. ما هي أهم قصص النجاح التي تحققت من هذا المنهج؟ كثيرة جدا, وفي مجالات متنوعة من التكنولوجيا للفنون والأدب, ولكن أكثر مثل أفخر به, السيدة سهير سلامة, وهي جدة تخطت الستين عاما وحضرت ثاني تدريب لي, منذ نحو أربع سنوات, وكانت كل كلمة تقال في التدريب بالنسبة لها طلاسم, لأنها قضت عمرها كله ربة منزل ولغتها الإنجليزية غير قوية, في حين أنني أقوم بتدريس مناهج تحتاج لمراجع أجنبية ومصطلحات صعبة في التسويق والسوشيال ميديا والبيزنس, فكانت كل كلمة أقولها تمثل تحديا كبيرا بالنسبة لها, ولكنها اجتهدت بالفعل ونجحت خلال سنة واحدة من اكتشاف شغفها في تكوين إمبراطورية عظيمة جدا في مجال يسمي باتش ورك, وهو فن تجميع قصاصات القماش لتصنع منها مفارش ومخدات وحقائب, وبعد سنة واحدة كانت سهير سلامة قصة نجاح تتناولها بإعجاب برامج الفضائيات وتدعي لإلقاء محاضرات في مؤتمرات ومعارض للحديث عن تجربتها واليوم تقوم بتدريس فن الباتش ورك وتقوم بتدريب الناس وتفتح لهم فرص عمل من خلال الطلبيات والبضاعة التي تطلب منها ولا تستطيع عملها بمفردها فاحتاجت لفريق عمل معها.