لا يكاد يمر شهر إلا وتحدث مشكلة أو أزمة ما بين مؤسستين من مؤسسات الدولة, أو بين أصحاب مهنة معينة وغيرها, فقد عايشنا علي مدي عام كامل أزمة نقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية, ودفع الصحفيون الثمن بسبب تسييس القضية وتصعيدها بشكل غير مبرر, ويدفع المواطنون الثمن يوميا بسبب هذه الصراعات, فإذا اعتدي أمناء الشرطة علي أطباء المطرية.. نعاقب المرضي بغلق المستشفي.. وإذا لم ترفع وزارة الصحة أسعار الأدوية تغلق الصيدليات أبوابها.. وإذا تم تخفيض حصة الكارت الذهبي, لم يجد المواطنون الخبز المدعم. وأزمة المحامين مع القضاة, التي انطلقت شرارتها خلال الأيام القليلة الماضية احتجاجا علي الحكم الصادر بحق عدد من المحامين بمطاي بالسجن5 سنوات.. نسخة بالكربون من كل الأزمات السابقة, التي تبدأ بإضراب جزئي للمحامين ثم تتصاعد إلي أن يتم حل الأزمة, وبالطبع المواطن البسيط هو الضحية. ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة من علي صواب ومن علي خطأ, ولكن إلي متي سيحدث هذا؟ وأين صوت العقل مما يحدث؟ ومن هنا يجب أن تحترم كل مؤسسة الأخري, وأن يحترم كل أصحاب مهنة أصحاب المهن الأخري, وأن نباعد قدر المستطاع عن هذا التعصب ونعطي فرصة لصوت العقل, خاصة في ظل ما نعايشه من تصعيد غير منطقي أحيانا. نحن في ظرف استثنائي, يتطلب منا جميعا أن نتحلي بالصبر ونبتعد عن التعصب والتشدد, فالمتعصب يري نفسه دائما علي حق, ويري الآخر علي باطل بلا حجة أو برهان, كما يجب أن يعي الجميع من أصحاب المهن المختلفة أن الجميع سواسية في الحقوق والواجبات, وأننا في دولة قانون, وأنه ليس هناك مهنة علي رأسها ريشة. ويكفي ما نعانيه الآن بسبب التعصب الفكري الذي جعل قطعانا من البشر تسير بلا هدي خلف أئمة الفتنة الذين يكفرون الآخر.. والنتيجة قيام شباب في عمر الزهور بتفجير أنفسهم, وكل هذا بسبب رفض الآخر وعدم قبوله والتشدد في التعامل معه, وتغيب العقل. وبالطبع لا يغيب عن ذهن أحد أن هناك أهل الشر الذين ينتهزون أي فرصة للوقعية بين مؤسسات الدولة, وسكب المزيد من البنزين لإشعال الحرائق هنا وهناك. ليس من الشجاعة ولا من البطولة أن تنحاز إلي صاحب مهنتك وهو علي باطل, ويجب أن نضع جميعا نصب أعيننا الحديث النبوي: انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا: يا رسول الله, هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه. أعتقد أنه آن الأوان لوضع آلية فعالة لفض أي نزاع يقع مستقبلا بين القضاء الواقف والقضاء الجالس, تتضمن إنشاء مجلس حكماء بكل محافظة, يتم تشكيله من شيوخ المحامين المشهود لهم بالنزاهة والحكمة والخبرة بعيدا عن اللجان النقابية التي تبحث عن الشو الإعلامي في بعض الأحيان وعن التصعيد والتهليل في أحيان أخري, يكون دوره التدخل السريع لوأد أي مشكلة تحدث بين ضلعي العدالة في مهدها, أو التصعيد إلي النقابة العامة, إذا ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه قد حدث بالفعل تجاوز في حق أحد المحامين. وعلي الجانب الآخر, علي النيابة العامة أن تشكل فريقا, علي أعلي مستوي ممكن للتحقيق في أي واقعة تحدث مستقبلا بين قطبي العدالة, ويتم إعلان مجريات التحقيق علي الرأي العام حتي يعرف الجميع حقيقة الواقعة. كلمة أخيرة تضخم الذات والشعور بالنقص وضيق الأفق أبرز أسباب التعصب.