يطلق المصريون علي الخبز لفظ العيش. وللفظ دلالة. فالعيش والمعيشة يعنيان الحياة ومن هنا فإن المساس بالعيش يعني تهديد الحياة نفسها. هذا يعني ضرورة أن يعي المسئولون أهمية التعامل بوعي وحساسيةمع كل ما يمس لقمة العيش خصوصا في ضوء أوضاع الناس المعيشية الصعبة بعد تعويم سعر الجنيه. وللعيش في مصر حكاية منذ تسبب في ثورة جياعفي عهد بيبي الثاني خامس ملوك الأسرة السادسة نحو عام2280 قبل الميلاد حتي انتفاضة الخبز عام1977 التي أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات انتفاضة الحرامية وصولا الي ما أثارتهالقرارت الأخيرة لعلي المصيلحي وزير التموين من خفض عدد أرغفة العيش في المخابز لأصحاب البطاقات الورقية إلي500 رغيف. ليس هناك خلاف علي أن معظم الدعم في مصر بما فيه دعم الرغيف لا يذهب الي مستحقيه بسبب منظومة فساد تتحدي حتي الآن كل محاولات الإصلاح. ربما تكون قرارات المصيلحي خطوة علي طريق الإصلاح غير أنه قد يكون جانبها الصواب, حيث إنها جاءت سابقة خطوات أخري كان يتعين اتخاذها بإحلال البطاقة الذكية محل البطاقة الورقية حتي لا يكون هناك مجال للتلاعب من قبلأصحاب المخابز. يتعين أن يتواكب مع هذا تنقية بطاقات التموين من غير المستحقين سواء الموتي أو الفئات غير المستحقة للدعم. فاتورة دعم الخبز في ميزانية العام الحالي تبلغ23 مليار جنيه وعدد المقيدين في البطاقات82.2 مليون شخص وهو رقم يكشف وحده حجم الفساد في منظومة دعم الخبز. فيما بين الحرب العالمية الثانية وعام1977 ظل سعر رغيف العيش البلدي نصف قرش وعندما حاول السادات بناء علي اتفاق مع صندوق النقد الدولي عام1976 رفع أسعار بعض السلع وبينها الخبز حدثت انتفاضة يناير1977 وتراجع السادات. استوعبت حكومات مبارك درس1977 فلجأت الي التدرجودون إعلان في معظم الأحيان في تغيير سعر ووزن الرغيف البلدي من نصف قرش الي قرش ثمقرشين ثم خمسة قروش وأنقصت الوزن من150 الي130 جراما. مع انعدام الرقابة الفعلية علي المخابز تفشي الفساد, حيث كانت المخابز تقوم ببيع الدقيق المدعم في السوق السوداء وتنتج رغيفا بلديا غير صالح للاستهلاك الآدمي تحول الي علف للماشية وجزء من العليقة التي تقدم للطيور رغم استمرار الدعمالذي لم يصل الي مستحقيه في صورة سلعة صالحة للاستهلاك. الوضع الآن هو أنه ليس في مصر سعر أو وزن موحد لرغيف العيش باستثناء ذلك الذي يتم توزيعه من خلال وزارة التموين عبر المخابز. فيما خلا ذلك, فإن اقل سعر للرغيف البلدي وكذلك للرغيف الفينو هو25 قرشا وكلاهما, البلدي والفينو, بسعره الادني لا يزيد علي لقمتين وبس علي وزن برنامج كلمتين وبس الاذاعي للرائعين المرحومين فؤاد المهندس وأحمد بهجت. ثم تتنوع الأسعار بعد ذلك صعودا وفق ما يشاء أصحاب المخابز وليس أمام المواطن غير المشمول بغطاء البطاقة التموينية غير الرضوخ والاستسلام. الأمر نفسه ينطبق علي الوزن وعلي درجة النضج وكلاهما يفتح المجال واسعا أمام الغش واستغلال المستهلك. والمراقبة غائبة وإن وجدت فهي شكلية. مطلوب قبل تنفيذ قرارات المصيلحي استكمال منظومة توزيع الخبز البلديالمدعم بالكروت الذكية التي بدأت عام2014 وبعدها لا قبلها يبدأ الحساب. في حالات العشم يقول المصريون وحياة العيش والملح وهو قسم نستحلف المسئولون به أن يخلوا بالهم حتي لا تحدث ثورة جياع.