الستر من أجل النعم التي أسبغها المولي سبحانه وتعالي علي عباده ولايستغني عنها مملوك له والمتأمل في الشريعة الإسلامية يلاحظ أنها حضت علي الستر وعدم المجاهرة بالذنب ويقول الحق تباركوتعالي لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم: فالتفتيش عن عيوب الناس امر مذموم والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة: وكان النبي لايعرض بأحد من المخطئين. وروي أن بني إسرائيل أصابهم قحط علي عهد موسي عليه السلام, فاجتمع الناس إليه, فقالوا: يا كليم الله: ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث. فقام معهم موسي عليه السلام, وخرجوا إلي الصحراء- وهم سبعون ألفا أو يزيدون- فقال عليه السلام: إلهي: اسقنا غيثك, وانشر علينا رحمتك, وارحمنا بالأطفال الرضع, والبهائم الرتع, والمشايخ الركع; فما زادت السماء إلا تقشعا, والشمس إلا حرارة! فقال موسي عليه السلام: إلهي اسقنا! فقال الله عز وجل: كيف أسقيكم؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة؟ وحول معني نعمة الستر وأسباب الحصول عليها وأثرها علي الفرد والمجتمع يوضح الدكتور محمد مطاوع من علماء وزارة الأوقاف أن الستر يطلق ويراد به الغطاء يقال ستر الشيء أي غطاه ومنه التغطية للعورة فلابد للمسلم أن يستر عورته ومنه ستر الله للعبد فلا يفضحه وينشر معاصيه علي رؤوس الأشهاد ومنه ستر الحال فلا يكشف الله فقر العبد ويكشفه بين الخلائق بذل السؤال ولئن تتبعناها ستجدهاتربط بين العبد وربه برباط دقيق وهي متبادلة بين العباد أيضا. فيكون الستر بداية بين العبد وربه من خلال الأمور التعبدية والأوامر والنواهي أما الأمور التعبدية فتأتي من خلال ستر العورة المأمور بها شرعا عند الرجال والنساء فعورة الرجل من سرته إلي ركبته وكل بدن المرأة عورة لا يجوز لها أن تكشفه وما ينطبق علي ستر العورة يكون في العبادات فلا تصح الصلاة إلا بستر العورة وتبدأ رحلة الستر مع المسلم منذ سن السابعة عند الأمر بالصلاة كما يقول النبي صلي الله عليه وسلم: علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وكما يقول المولي سبحانه وتعالي: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد أي استروا عوراتكم عند كل صلاة. كما يكون الستر عند المعاملات فلا يكشف العبد ستر الله, فالله يستر عبده عند المعصية, وقد يعفو الله علي من يتوب ويقلع عن الذنب فالله يستره ولكن الآفة فيمن يجاهر بالمعصية فهذا يجلب غضب الله يقول رسول الله صلي الله وسلم: كل أمتي معافي إلا للمجاهر قالوا:من المجاهر؟ قال الذي يبيت قد ستره الله فيصبح ويقول يا فلان فعلت البارحة كذا فيهتك ستر الله فلا ينبغي أن يجاهر بالمعصية. كما يتحقق الستر بستر عورات الناس وعدم فضحهم وكشف أسرارهم, وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم ثواب الستر فقال: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة وحذر في الوقت نفسه من سوء عاقبة هتك الأستار وكشف الأسرار وأن الله يفضحه فيقول:من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته, وفضحه ولو في قعر داره فلنتق الله في أنفسنا وأعراضنا وعوراتنا وأن ننشر ثقافة الستر في مواجهة ثقافة التهتك ويشير الشيخ محمد عيد كيلاني مدير عام المساجد الحكومية بوزارة الأوقاف إلي أن الستر هو التجاوز عن الاخطاء والهفوات لقوله تعالي لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم: فالتفتيش عن عيوب الناس امر مذموم لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة: وكان النبي صلي الله عليه وسلم لايعرض بأحد من المخطئين فقد أثر عنه انه كان يقول علي منبره: مابال اقوام يفعلون كذا.. وكان لا يسمي واحدا بعينه سترا له وقد نهانا الاسلام عن تتبع عورات الناس.. لما روي عن الرسول صلي الله عليه وسلم انه قال: من تتبع عورة امرئ تتبع الله عورته: ومن الستر ألا يجاهر المسلم بمعصية فعلها ولا يعلمها الناس فيفضح نفسه لان ذلك من أكبر المعاصي أن يهتك المسلم ستر الله عليه حين يفعل معصية فيصبح فيقول فعلت كذا وكذا ويضيف: ينبغي علي المسلم أن يعمل علي ما يحبه الله, فيستر الناس بالستر الجميل الذي يحبه ربنا عز وجل, فيستر نفسه من العيوب والذنوب, ويستر أهله وأولاده وعرضه و بيته وأسرته و جاره وعورات المسلمين وغير المسلمين, ولا يكن من الذين يبحثون عن فضائح الخلق فينشرونها بين الناس ويروي أن جرير بن عبدالله البجلي كان عند الفاروق عمر في خلافته, ومعه جماعة من الناس, وهم ينتظرون الصلاة, فخرج من أحد القوم ريح, وخاف عمر أن يحمل الخجل صاحب الريح علي الدخول في الصلاة, فقال: عزمت علي صاحب الريح أن يتوضأ فبادر جرير وقال: مرنا جميعا أن نتوضأ, فسري عمر, وقال لجرير: رحمك الله, نعم السيد كنت في الجاهلية, ونعم السيد أنت في الإسلام. فالناس صنفان; منهم من يستر العيب كجرير, ومنهم من يبحث عن الفضائح, فيكشف أستار الناس وعوراتهم والصنف الثاني أخطرهما. ويقول الشيخ محمد زكي امين مجمع البحوث الإسلامية السابق أن الستر كلمة جميلة جليلة تحوي كل معاني الخير من رعاية الله للعبد ولطفه وستره والدخول في كنفه ورعايته واللطف به فيما جرت به المقادير وهذا يتأتي بحفظ العبد لحدود ربه والقيام بطاعته لقول ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم يوما فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا علي أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف. وقوله صلي الله عليه وسلم: تعرف علي الله في الرخاء يعرفك في الشده وقوله تعالي ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب فالستر بالمعني الجميل أن يغطيك ويجعلك في كنفه ومعيته حتي لايكون لك عند لئيم حاجة ولذلك يقال فلان مستور بمعني أن الله ساتره وكان النبي صلي الله عليه وسلم عليه وسلم يدعو: اللهم أمن روعاتنا واستر عوراتنا ومعناه يارب أمنا من كل شيء يخيفنا في الدنيا والأخرة واحفظنا واسترنا حتي لاتظهر عوراتنا حتي لايطلع علينا الناس فيحصل العبد علي البر والمعروف بكل صنوفهما من تيسير لقضاء الحوائج ومصالحهم وإطعامهم من جوع وستر عوراتهم فمن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة كل ذلك مع التضرع واللجوء إلي الله خاصة إذا افتقد الإنسان الاسباب وضاقت به السبل وصدت حوله الابواب ولم يبق له إلا مسبب الأسباب ورب الارباب فليطرق المسلم أبواب السماء ليحقق الله له الأمل ويصرف عنه الألم ويكف عنه الضر ويحفظه وأهله من كل سوء قال تعالي أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض وقد ورد في الأثر أن الذي لا يتعارض مع نص صحيح عبدي أطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن افتقدتني افتقدت كل شيء وأنا أحب أليك من كل شيء ويضيف الشيخ أمين أن ما يعانيه المجتمع من مشكلات مختلفة وابتلاءات من امراض وغلاء اسعار راجع إلي أن المسلمين في لهو ولعب ورقص وغناء ويقضون الليل في سهرات تنتهك فيها الحرمات والأعراض وكأنهم في غيبوبة لا يدرون ما أصابهم. وتناسوا ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم مضيفا فإذا اردنا ان ينتشلنا الله من هذه الفجوة السحيقة ويجعلنا خير أمة أخرجت للناس علينا الرجوع إليه والاقبال عليه فما أقبل عليه عبد بقلبه إلا جعل الله له قلوب العباد تنقاد إليه بالمودة والرحمة وكان الله إليه بالخير أسرع فليس لنا إلا التضرع والخشوع حتي يكشف عنا مانحن فيه من بلاء ويسترنا بستره الجميل في الدنيا والآخرة لقوله تعالي قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين(63) قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون(64) قل هو القادر علي أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون(65) وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل(66) لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون(67) ويتابع: علينا ان نحمد الله أن لنا ربا هو مولي الذين آمنوا وأن الذين كفروا لامولي لهم وقوله تعالي ثم أنتم تشركون مع علم الله السابق إلا انه تعالي وعدنا بتفريج الهم وصرف البلاء عند اللجوء إليه وكفانا رقصا ولهوا ولعبا وطربا فالوقت وقت عمل والعمل يسبقه علم وبالعلم والعمل يتحقق كل أمل تجميع الأمة وتوحيد الصف وزيادة الإنتاج.