قصة قصيرة

كولمبس المصري

عطل مفاجئ أصاب سيارتي السيزوكي الماروتي أعاقتها عن الحركة والدوران والانطلاق مما اضطرني هذا العطل لركوب أحد الاتوبيسات التابعة لهيئة النقل العام في حوالي السادسة صباحا,
وأصارحكم القول بندرة استيقاظي في تلك الساعة المبكرة من الصباح بسبب عادة نومي المتأخرة في السابعة أو الثامنة صباحا في مقاعد الاتوبيس التابع لهيئة النقل العام نصفها خاو خال من الركاب في تلك الساعة المبكرة من الصباح والنصف الباقي يقبع فوق مقاعد باقي ركاب الاتوبيس الذي يجبرهم ظروف أعمالهم الذهاب إليها في تلك الساعة المبكرة لمحت عيناي من بين ركاب الاتوبيس كهل عجوز شيخ يتجاوز السبعين من عمره تغزو وتحتل صلعة رأسه في عنوة واقتدار الشعيرات البيضاء لتجعل منها مزيجا رماديا يتراوح بين الأسود والأبيض بفعل سنوات عمره السبعين, محصل تذاكر الأتوبيس, الكمساري] يتجول داخل, طرقة] الأتوبيس ذهابا وإيابا لتحصيل قيمة تذكرة الأتوبيس من الركاب ماعدا هذا الشيخ الكهل العجوز المتجاوز السبعين من عمره وسط دهشة ركاب الاتوبيس الذي اشتعلت بداخلهم نار الغيرة والحقد والأسئلة الملحة داخل عقولهم الباطنة والتي تحتاج لإجابة شافية عافية لا لبس ولاغموض, بفعل التطفل والفضول الكامن بداخلهم عن السر والسبب الحقيقي وراء عدم تحصيل, الكمساري] محصل التذاكر قيمة تذكرة الاتوبيس مثلما فعل معهم, لاحظ, الكمساري] التساؤلات الشاردة الملحة بين ركاب الاتوبيس عن السبب الحقيقي وراء عدم تحصيل قيمة تذكرة الاتوبيس من الشيخ الكهل العجوز وهل تم هذا الاستثناء من سداد قيمة تذكرة الاتوبيس بنوع من المحسوبية والوسطة من كمساري الاتوبيس أو الكهل العجوز لديه ظهر وسند ووساطة داخل هيئة النقل العام خصوصا, ثم أنهم يلاحظون, تجاهل معظم محصلي التذاكر, الكمسارية] بهيئة النقل العام عدم تحصيل تذكرة الاتوبيس يوميا, كل يوم] من هذا الكهل العجوز, أحد كمسارية هيئة النقل العام في أحد الأيام لاحظ تلك الاسئلة الفضولية المتطفلة من ركاب هيئة النقل العام والتي تدور داخل عقولهم الباطنة, وتعمد الكمساري الرد علي أسألتهم الملحة بصوت جهوري مسموع مستغلا بارتفاع صوته المتعمد ضعف سمع الشيخ الكهل العجوز بفعل سنوات السبعين, بأن هذا الكهل الشيخ العجوز من لحظة خروجه علي المعاش من أحد المصالح الحكومية التي تجاوز عمله بها ثلاثين عاما وهو يستيقظ كل صباح في السادسة موعد ذهابه لعمله قبل إحالته للمعاش ويتناول طعام فطوره ويرتدي ملابسه ويخرج من منزله إلي موقف اتوبيسات هيئة النقل العام القريبة منه ويظل ينتقل بين خطوط اتوبيسات هيئة النقل العام من السادسة صباحا وحتي الثالثة عصرا موعد عودته من عمله يترحل في رحلة يومية منذ خروجه علي المعاش المناطق التي أعتاده, زيارتها طوال مشوار عمره السبعين أو الأماكن التي لم يزرها طوال حياته المعروفة بالمناطق الجديدة مثل الشيخ زايد ومنطقة السادس من أكتوبر ومدينتي والقاهرة الجديدة والتجمع الخامس وكأنه الرحالة البرتغالي, كريستوفر كولمبس] مكتشف طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر لأن الشيخ العجوز يرفض قعدة المقاهي منذ إحالته علي المعاش ويعتبرها مضيعة للوقت لاطائل ولافائدة منها وأن المقاهي مخصصة, للعوطلية] للجلوس عليها, لقتل وضياع وقتهم هباء, والغريب في الأمر أن هذا الكهل الشيخ العجوز يرفض بشدة وحزم ركوب عربات مترو الانفاق رغم تأييده المطلق والتام الرئيس, مبارك] مؤسس مشروع مترو الانفاق بمصر طوال فترة حكمه لها والتي تجاوزت ثلاثين عاما إلا أنه كثيرا مايعاتبه ويلومه وينتقده ويقرعه لتأسيسة مترو الأنفاق نظرا لصعوبة صعود الكهل العجوز سلالم المترو الشاهقة العالية في سنه المتأخرة وأيضا إذا تعطلت أجهزة التكييف والتبريد خصوصا في فصل الصيف القائظ الشديد الحرارة.