قبل ربع قرن من الزمان ونحن صحفيون في مقتبل العمر كنا نجهز مواد صفحات العيد قبل الوقفة بأيام حتي يستطيع المحرر منا أن يحصل علي إجازة قصيرة للغاية يقضيها بين أهله وأسرته , وكانت الصفحات الفنية تعاني كثيرا من نقص الحوارات والأخبار نظرا لسفر معظم النجوم لقضاء العيد خارج القاهرة وكانت الوسيلة الوحيدة للاتصال بالفنانين هي تليفون المنزل الأرضي, فلم تكن الموبايلات قد ظهرت بعد وبالطبع الإنترنت, وكثيرا ما كنا نلجأ إلي تقديم موضوعات عن أفلام العيد ومنافسات أبطالها وإيرادات شباك التذاكر يوميا, ونفس الشيء بالنسبة للمسرح, فقد كان المسرح الخاص يقف بفرسان الكوميديا في مواجهة مسرح القطاع العام, ولأن الحفلات الغنائية لم تكن مثل الآن..فلا مارينا ولا شرم ولا ساحل ولا منتجعات, فكان كل التركيز علي نجوم إحياء الأفراح والليالي الملاح وكنا نجري هنا وهناك لنقف علي الأسعار الجديدة التي يخطر بها المطربون متعهدي الحفلات قبل كل عيد, ووفقا للمبيعات التي حققها أحدث ألبوم غنائي لكل منهم قبل ظهور القرصنة واحتكار شركات غير مصرية لسوق الطرب المصري, وضرب مطربينا في مقتل لمصلحة لهجات غنائية أخري. كانت تتراوح تسعيرة المطربين الشعبيين من300 إلي1200 جنيه عن الفقرة التي لم تتجاوز الساعة بحال من الأحوال ومن أبرز هؤلاء حكيم وحسن الأسمر ومجدي طلعت وعبدالباسط حمودة, بينما فئة أخري من المطربين من أصحاب الموجة الشبابية الجديدة مثل إبراهيم عبدالقادر وفارس وسيمون وأنوشكا ومني عبدالغني وعلاء عبدالخالق وإيهاب توفيق ومصطفي قمر وهشام عباس وعلي حميدة وأحمد جوهر فكانت أجورهم تبدأ من1500 إلي1800 جنيه يزيد عنهم محمد فؤاد وعمرو دياب في الأجر قليلا, أما نجوم الأفراح في ذلك الوقت فكان سمير صبري وعايدة الشاعر وفاطمة عيد ومحمد العزبي..ومن عيد إلي عيد ومن ألبوم إلي آخر تغيرت الخريطة وأعيد تشكيلها من جديد بقي من بقي وأختفي من اختفي, وارتقي صانعو البهجة القمة وقالوا كلمتهم وفرضوا أجورهم الفلكية. تدور عقارب الساعة وتمر الأيام والشهورو تتوالي الأعياد ومازال حرص الأسر المصرية علي أن تكون أفراحهم وحفلات الخطوبة والزفاف في عيدي الفطر والأضحي تيمنا وتبركا, ونشرا للسعادة واغتناما للبهجة. وبعد ربع قرن من الزمان كان السؤال خلال الإعداد والتجهيز لصفحات العيد ماذا طرأ من تغير علي أفراح المصريين؟! وماذا حدث لسوق الطرب وخريطة وبورصة المطربين؟!. في ظل الحالة الاقتصادية التي تسير من سيئ إلي أسوأ, وإصرار المطربين في نفس الوقت علي رفع أجورهم بشكل مبالغ فيه للغاية, والحرص علي إقامة حفل عرس دفع أهل كل عروسين إلي ضغط النفقات, ومن كان معتادا علي الاتفاق مع أربعة مطربين اكتفي باثنين وربما بواحد, ومن كان يقيم أفراحه بالفنادق الكبري لجأ إلي قاعات أقل تكلفة, أما عن خريطة الغناء فدانت بشكل أرحب للشعبيين من أهل الغناء, ولم يظهر من يتسلم الراية من أصحاب الموجة الشبابية بعد عوامل التعرية التي لحقت بهم رغم كل محاولات المكياج والصبغات وشد الترهلات فللسن أحكام, ومن أحيا فرح والد العريس قبل ثلاثين عاما لن يقبل به عريس اليوم, ولعب الذوق العام دوره في لعبة الكراسي الغنائية الموسيقية, فراح الزمن بالمطربين الشعبيين الحقيقيين وجاء بالمضربين عن الغناء السليم والضاربين بكل قواعد الطرب الأصيل عرض الحائط وطوله, وأفرزت طبيعة المرحلة سلسلة غير متناهية قادها في أفراحنا ثلاثة أجيال تزعمهم شعبان عبدالرحيم وسعد الصغير ومحمود الليثي, وبعدما كانت العروسة تشترط أن تزفها عايدة الشاعر أو فاطمة عيد, أصبحت لا تقبل إلا بأوكا واورتيجا, أو بمن يندب حظه حتي الآن ويقول آه لو لعبت يازهر!..زمن..كل سنة وأنتم طيبين.