الإيمان نصفان: صبر وشكر,ولما كان الأمر كذلك كان حريا بالمؤمن أن يعرفهما ويتمسك بهما, وأن لا يعدل عنهما, وأن يجعل سيره إلي ربه بينهما ومن هنا كان حديثنا عن الصبر في القرآن الكريم فقد جعله الله جوادا لا يكبو وصارما لا ينبو وجندا لا يهزم,وحصنا لا يهدم. فالنصر مع الصبر, والفرج مع الكرب, والعسر مع اليسر, وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد. والصبر لغة: الحبس والكف, قال تعالي:(( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي...)), أي احبس نفسك معهم. واصطلاحا: حبس النفس علي فعل شيء أو تركه ابتغاء وجه الله قال تعالي:(( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم)). وقد أشرنا في التعريف إلي أنواع الصبر الثلاثة والباعث عليه. أما أنواعه فهي: صبر علي طاعة الله, وصبر عن معصيته, وصبر علي أقداره المؤلمة. ففي قولنا( علي فعل شيء) دخل فيه الأول, وفي قولنا( أو تركه) دخل فيه النوعان الثاني والثالث: أما دخول الثاني فظاهر لأنه حبس للنفس علي ترك معصية الله, وأما دخول الثالث فلأنه حبس للنفس عن الجزع والتسخط عند ورود الأقدار المؤلمة. أما الباعث عليه: فهو في قولنا(( ابتغاء وجه الله)) قال تعالي(( ولربك فاصبر)) فالصبر الذي لا يكون باعثه وجه الله لا أجر فيه وليس بمحمود, وقد أثني الله في كتابه علي أولي الألباب الذين من أوصافهم ماذكره بقوله:(( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة, وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية)). وهذا النص يشير إلي حقيقة مهمة جدا وهي أن صبغة الأخلاق ربانية فيه ليست أخلاقا وضعية أو مادية وإنما ربانية سواء من جهة مصدر الإلزام بها أو من جهة الباعث علي فعلها, فالعبد لا يفعلها تحت رقابة بشرية حين تغيب ينفلت منها, بل يفعلها كل حين وعلي كل حال لأن الرقابة ربانية, والباعث إرادة وجه الله تعالي. والحديث موصول