حاولت أن أقاوم فكرة الكتابة عن مشاكلنا, لكن وجدت الفكرة تلح علي بشكل قهري خاصة مع ارتفاع الأسعار واشتعال سعر الدولار, ولأن مصر لها قائد تحمل مسئولية شعب محطم نفسيا ومهلهل اقتصاديا, تصدر سيادته بكل قوة وحزم لمقاومة الزلزال الدولاري, وبالفعل نزل الدولار. وارتفعت أصوات كل وطني أصيل مرددا أرواحنا معاك يا ريس فغضب أعداء الوطن لكن الوطنية ليست كلاما وأغان ولقاءات تلفزيونية ونقدا سلبيا علي مدي الساعة لصيد الأخطاء وإسقاط مصر. الوطنية حب وفعل وإنتاج وإصرار علي مقاومة العدو والتصدي له. ووفقا للبعد الاقتصادي فإن سبب أزمة الدولار هو غياب السياح والمستثمرين الأجانب وهما المصدران الأساسيان للعملة الصعبة والدخل القومي. لكن هناك بعد ثالث للمشكلة كثيرا ما نتجاهله وهو البعد النفسي والأخلاقي والاجتماعي, وهي أمور دمرت الوطن بالفعل وجعلت الشباب فريسة سهلة الاصطياد. وقد سبق ان أشرت إلي اننا نعاني غياب الانتماء الوطني خاصة في جيل الكبار من الخمسينيات الذي حل أزمة قلة الراتب بالرشوة والفساد وجيل الشباب من التسعينيات الذي شرب الفساد وتجرع الظلم علي مدي سنوات طويلة, فأصبح بينه وبين الوطن حاله عدائية وفوبيا مصدقية الحكومة, جيل شاف والده يدير ويؤسس للفساد ولا يعاقب. جيل نما علي الغش حتي في القطاع التعليمي باعتباره جدعنة, جيل وجد الرشوة متعة ومصيفا في مارينا, جيل ابتكر لغة خاصة به( للشات) يتداول من خلالها الألفاظ المتدنية كنوع من الشياكة. جيل تعلم الحديث عن السلبيات فقط, واتخذ من الدين ستارا لفلسفة الأمور حسب المزاج والموقف. يعني( اكلاشيه) لتغليف البضاعة الفاسدة وترويجها بيسر. ليصبح من يتكلم بإيجابية عدوا, لأنه من وجهة نظر الإنسان البسيط( مش) حاسس بالدنيا أو( مش عايش في البلد) أو( مظبط حاله). معني ذلك ان الانتماء الوطني يكاد يكون منتهيا عند الأغلبية, وهنا الكارثة الحقيقية, فغياب الانتماء هو غياب لمعان كثيرة أهمها الحب, فإذا كره القلب انتهت صلاحيته وغاب عطاؤه. ورغم ماتعانيه منه مصر ورغم أن الجميع مدرك أن قلب الوطن العربي مستهدف فإن الأغلبية لا تفعل شيئا سوي الكلام, حالة من السكون مع استمرار للفساد والمفسدين. وقد مرت صاحبة هذه السطور بواقعة أكدت فعلا اننا في حاجة لصحوة أخلاقية وعلاج نفسي ولا أقول هذا من باب الدعابة, ولكني أعي ما أقول فهناك بعض من القيادات تعاني إدمان المال الحرام, تسعي للشفاء لكن الاعتياد علي المادة الحرام غلاب وبالتالي ما زال الفساد قائما فلا قانون يفعل ولا لوائح تطبق. أما البعض الأخر فيعاني من اضطراب كرب ما بعد الصدمة وهو ألم يصيب الناس التي عاشت لفترات طويلة في خطر وظلم وخوف نتيجة أحداث صادمة مثل التحرش الجنسي والانتهاك الجسدي والظلم والحروب وغيرها, ومن اعراض هذا الاضطراب استحضار الذكريات الأليمة والشعور بأنها لا تنتهي وكأنها تعيد نفسها من جديد, مع شعور بعدم الثقة والغضب والقلق والحزن وغيره من الأعراض النفسية المعروفة لدي المتخصصين. وهناك شرائح تعاني الجهل والفقر والمرض, أما عن الواقعة التي حدثت لي فهي انتشار المؤسسات الأهلية التي تحمل أهدافا إنسانية واجتماعية تعطيك الأمل في المستقبل وتعمل تحت شعارات رنانة لجمع الأموال من الشعب الغلبان مثل دورات التنمية البشرية ودورة المدرب المعتمد والخبير الاستراتيجي وإقامة المؤتمرات العلمية والندوات الثقافية مدفوعة الأجر العالي, وللأسف كل هذا وهم كبير وراءه أبناء من الوطن ولا يهم أنت أستاذ جامعي ولا إنسان بسيط, المهم ان عملية النصب تتم والشعب يصرخ ويقول فين الحكومة. تماما مثل دور شركات الصرافة في تدمير الجنيه المصري, وانخفاض تحويلات المصريين بالخارج, والتكتم علي كثير من المشاكل حتي تنفجر كالبركان, وظهور حسابات وهمية في كل كارثة لسب وقذف من يقول تحيا مصر. وقد سبق واقترحت علي أحد المسئولين الكبار مساعدتي لعقد دورات مجانية أقدمها من أجل توعية أطفال المدارس الابتدائية وطلاب الجامعة نفسيا واجتماعيا ثم تفعيلها في كل شبر بمصر, ولكن لم أحصل علي إجابة, كما أناشد وزارة التضامن الاجتماعي ان تشدد الرقابة علي المؤسسات الأهلية والتي تقوم بالنصب العلني بمساعدة مسئولين كبار تحت شعار أعمال خيرية ومؤتمرات علمية ودورات تدريبية. كل ما اتمناه أنا وكل مصري أصيل طلب مني توصيل رسالته ثقة في وفي قائد مسيرتنا ان نجد في مصر قانونا مفعلا يقضي علي بؤر الفساد التي زلزلت الكيان المصري وان يكون هناك معلم كفء وتعليم جيد مخرجاته شباب قادر علي بناء مصر, وأخيرا ضمير مدرك لمعني وطن ومصلحة عامة. كلية الآداب جامعة الإسكندرية