كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة, وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن ابن عباس قال: لما حضرت بنت لرسول الله- صلي الله عليه وسلم- صغيرة فأخذها رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فضمها إلي صدره ثم وضع يده عليها فقبضت وهي بين يدي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فبكت أم أيمن فقال لها رسول الله- صلي الله عليه وسلم- يا أم أيمن أتبكين ورسول الله- صلي الله عليه وسلم- عندك فقالت ما لي لا أبكي ورسول الله- صلي الله عليه وسلم- يبكي فقال رسول الله- صلي الله عليه وسلم- إني لست أبكي ولكنها رحمة, ثم قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم المؤمن بخير علي كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله رواه النسائي. أخذ رسول الله- صلي الله عليه وسلم- ابنة له صغيرة وقيل المراد ابنة له علي المجاز لأن بناته- صلي الله عليه وسلم- كلهن متن في حالة الكبر, أخذها وهي في سكرات الموت فاحتضنها وضمها إلي صدره فماتت وهي بين يديه وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- شفقة ورقة ورحمة بها وبكت أم أيمن حاضنة النبي- صلي الله عليه وسلم- لكنه بكاء مع صياح ورفع للصوت فأنكر النبي- صلي الله عليه وسلم- عليها ذلك لأن ذلك ينافي الصبر والرضا بالقضاء فقالت أم أيمن- رضي الله عنها- ولما تنكر علي يا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وأنا أراك تبكي ؟! فبين النبي- صلي الله عليه وسلم- لها أنه لا يبكي بكاء جزع وسخط ولكنه بكاء رحمة ورأفة فلا حرج في البكاء علي الميت بدمع العين, وحزن القلب, لأن من طبيعة النفس البشرية أنها تحزن علي من مات لها وترق له وتدمع عينها من أجله والإسلام لم يأت بما يعارض هذه الفطرة ولكنه نهي عن كل قول أو فعل يظهر عدم الرضا بقضاء الله وقدره كالبكاء الذي يصاحبه نياحة علي الميت بلطم الخدود وشق الجيوب والتسخط علي قدر الله ونحو ذلك من أعمال الجاهلية ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال: ليس منا من لطم الخدود, وشق الجيوب, ودعا بدعوي الجاهلية وإنما الواجب علي المسلم في مثل هذه الأمور هو الصبر والاحتساب فالمؤمن أمره كله خير فهو في السراء شاكر وفي الضراء حامد صابر.