حين يصبح هذا المقال بين أيديكم، نكون قد وصلنا لمنتصف شهر رمضان المعظم أعاده الله علينا وعليكم بكل الخير واليمن والبركات، وقد جرت بنا العادة أن ننتظر الشهر الكريم ليس سعيا وراء المزيد من الالتزام بفروضنا الدينية فقط، لكن لمتابعة جديد البرامج والمسلسلات والفوازير سواء الإذاعية أم التليفزيونية أيضا. ولما بات حرص المشاهد المصرى والعربى على المتابعة الإذاعية أو التليفزيونية واضحا لدى العاملين بقطاع الإعلانات، فقد وضعوه فى بؤرة اهتمامهم وأصبح مستهدفا بدرجة واضحة، وأصبح الإنتاج الفنى برمضان على الشاشات المصرية لا يكتمل من دون الوجبة الإعلانية التى نجح الإعلانيون فى فرضها على المشاهدين ممن أدمنوا متابعة مثل هذا الإنتاج على وجه الخصوص. حقيقة الأمر أن فكرة الإعلان عموما بحد ذاتها هى فكرة جيدة من حيث أنها تحقق المطلوب من تسويق سلعة للمستهلك القادر على التعاطى معها والتفكير فى اقتنائها ولما تطورت الحياة ومتطلباتها، وأصبح الإعلام وسيلة أساسية من وسائل تعريف الناس بما لهم من حقوق وواجبات، وجدنا إعلانات ذات طبيعة خاصة تطفو على سطح الشاشة المصرية والعربية، فوجدنا الوزارات المختلفة تتجه الواحدة تلو الأخرى ناحية توصيل رسالتها الخدمية أو التوعوية عن طريق الحملات الإعلانية وهنا لا يمكن أن أنسى ذلك الإعلان القديم الذى ظهر علينا ونحن أطفال وكانت تحارب به وزارة الصحة مرض البلهارسيا، حيث لا أذكر سوى نهايته وهى التى كانت تحمل الرسالة الأهم فى الإعلان، حيث كان يقول أحد الفنانين نصاً "طول ما ندى ظهرنا للترعة، عمر البلهارسيا فى جتتنا ما ترعى". ودخلت وزارات الداخلية والسياحة والتموين والزراعة والرى والكهرباء السباق الإعلانى بهدف توعية المواطنين بصحيح السلوك العام أو بسليم السلوك الاستهلاكي، وهى الإعلانات التى أتصور أنها تلقى قبولا لدى جماهير المشاهدين أكثر من اعلانات التسويق للفيلات متعددة الحدائق ومن إعلانات التسويق للملابس الداخلية ومن اعلانات التسويق للوحدات السكنية ذات الارقام الفلكية المستفزة، التى ربما لا تزيد الغالبية العظمى من المشاهدين إلا حسرةً وشعوراً بمدى الطبقية المقيتة التى قد تكرسها تلك الاعلانات فى نفوسهم بشكل مقصود أم غير مقصود. وبالرغم من شدة قسوة الصورة التى حاولت أن أقدمها للقارئ المُهتم بشكل أدبى، إلا أنك دائما ما ستجد صوت الوطن قادرا على انتشالك من أى فشل وقادرا على أن يزرع فيك الأمل ويمنحك الثقة فى القدرة على فعل المزيد مما يزيد بداخلك الرغبة فى خوض صراع الحياة من أجل الوطن ذاته أولا وما به من أهل وأحباب ثانيا. أقصد بصوت الوطن تلك الحملة التى تعلى من شأن "المنتج المصرى" ويبدو وكما اهدتنى قدرتى المتواضعة على التحليل فهذه الحملة لا تهدف فقط لاستعادة المصريين ثقتهم بما صنعته أيديهم، ولكنها تهدف لاستعادة المصريين لثقتهم بأنفسهم فى جميع النواحى بشكل عام، وكم أبهرنى طريقة التعبير الإعلانى عن "عقدة الخواجة" التى تقف بالفعل حائلا دون تقدمنا كمصريين، حيث اتسمت طريقة العرض بالتلقائية والواقعية والمكاشفة المجتمعية التى بات المجتمع المصرى فى أمس الحاجة إليها لإصلاح كثير من عيوبه، كذلك فقد سعدت كثيرا بتصوير الفساد وآثاره على المجتمع وإن كنت أتمنى لو جاء إعلان الفساد هذا مشفوعا بعقوبة للفاسد دون ترك الباب مفتوحا هكذا