كان النبي, صلي الله عليه وسلم, مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به, صلي الله عليه وسلم, فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. 2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص, رضي الله عنه, أن النبي, صلي الله عليه وسلم, تلا قول الله, عز وجل, في إبراهيم, عليه السلام:( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) إبراهيم الآية:36, وقال عيسي عليه السلام:( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) المائدة الآية:118, فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي, وبكي, فقال الله, عز وجل: يا جبريل! اذهب إلي محمد, وربك أعلم, فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه والسلام فسأله, فأخبره رسول الله, صلي الله عليه وسلم, بما قال, وهو أعلم, فقال الله: يا جبريل! اذهب إلي محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. رواه مسلم. كان النبي, صلي الله عليه وسلم, يحب أمته حبا كبيرا فكان مشغولا بها حريصا عليها يحمل هم نجاتها يوم القيامة فهو بالمؤمنين رءوف رحيم ومن كمال شفقته بها أنه قرأ قول الله تعالي حكاية عن نبي الله إبراهيم وعيسي عليهما السلام وفيه من الإشفاق علي قومهما والحرص علي هدايتهما ونجاتهما وهنا بكي النبي, صلي الله عليه وسلم, من أجل أمته رحمة بها وشفقة عليها رافعا يديه داعيا راجيا ربه أن يرحم أمته وينجيها فجاءته البشارة العظيمة من الله تعالي بأن وعده, والله لا يخلف وعده, بأنه لن يحزنه في أمته وسيرضيه فيهم ولن يرضي رسولنا, صلي الله عليه وسلم, وواحد من أمته في النار فلن يخلد أحد من أمته في النار وهذا من أرجي الأحاديث لهذه الأمة ولهذا قال العلماء: إن أمة محمد, صلي الله عليه وسلم, أمة مرحومة أخذا من هذا الحديث وفي هذا الحديث بيان لعظم منزلة النبي, صلي الله عليه وسلم, عند الله تعالي وقد أرضي الله نبيه في أمته, صلي الله عليه وسلم, وخصها من عدة وجوه: منها أنها أول الأمم وأكثرها دخولا الجنة وخصها بأن سبعين ألفا منها يدخلون الجنة بغير حساب وخصها بأنها تأتي يوم القيامة وهم غر من السجود محجلون من الوضوء وخصها بأنها أمة أقل عملا وأكثر أجرا وخصها بالوسطية والشهادة علي الأمم يوم القيامة وبشرها بأن نبيها سوف ينتظرهم عند الحوض الشريف يوم القيامة فمن أراد هذه الفضائل فعليه باتباع النبي, صلي الله عليه وسلم, والاستمساك بهديه وكيف لا نتبعه ونطيعه ونحبه وقد بكي من أجلنا!!