أنا رجل بت على أعتاب آخرتى، انتقى الأيام ما تبقى منها لعل اللحظة الأخيرة تأتى اليوم أو غدا، ولكنه الأمل فى العفو من المولى عز وجل الذى دفعنى لكى أكتب لك، فما اقترفته فى حياتى كثير حتى إننى أتجرع الحسرة والندم، وأحس أن ذنوبى تقيدنى بأغلال خطيئتى التى اقترفتها منذ زمن بعيد وكان ثمرتها طفلا صغيرا لم يكن له ذنب غير أنه ولد فى لحظة خاطفة بين يدى شيطان تملكنى حتى أغويت امرأة وانتهكت شرفها عنوة ثم لفظتها وغبت عنها لا أدرى من أمرها شيئا. لم أعرف وقتها أن ثمرة فعلتى تشتعل نارا فى أحشائها إلا عندما جاءتنى تخشى الفضيحة وطلبت منها أن تتخلص منه، ولكنها قالت إن ذلك يهدد حياتها بالخطر. ولم أحفل بها طردتها بلا رحمة فما كان منها إلا أن نسبت الصغير عندما خرج إلى الدنيا لزوجها وكأنها قد أتت به من لقاء شرعى، ومضت بها الحياة وبى لم نلتق ثانية حتى عبرنا طور الشباب. كانت هى تحتضر عندما أرسلت لى وما أن رأيتها حتى استدركت الماضى البعيد وما جمع بيننا من إثم. أرادت أن تقول لى سرا قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وكأنها كانت تحمل على عاتقها أمانة تريد أن تتخلص من وزرها قبل الرحيل. أخبرتنى عن ابنى الذى بات شابا يافعا يملأ الدنيا حيوية وقوة. قالت لى إنه ثمرة مجونى وسطوتى عليها فى يوم من الأيام. كانت تعتقد أن خبرا كهذا قد يفرحنى أو يعيدنى إلى صوابى، ولكنى كنت مازلت أرتع فى غيى وضحكت منها ساخرا، وقلت لها إنها لم تكن المرأة الوحيدة فى حياتى ولا خطيئتى الأخيرة. انصرفت لا أدرى ما تخبئه الأيام لى وماتت ضحيتى بسرها ولم أحفل حتى أن أعرف منها من هو ابنى هذا؟ على وتيرتها من التجبر والظلم مضت بى الحياة ألتقط عيشى من ترويج المخدرات تارة، وفرض الإتاوات تارة أخرى. لم أترك بابا من أبواب الشيطان لم أطرقه. دخلت السجن فى قضايا متعددة وكنت معروفا فى هذا العالم بالمارد من كثرة سطوتى وتجبرى على الناس. ربحت أموالا لا حصر لها أنفقتها كلها، وكما جاءت جرما راحت حراما. ومضى قطار العمر واشتعل الوهن فى عظامى هرما ومرضا فقد تجاوزت السبعين من عمرى. لم أعد قادرا على شيء حراما كان أم حلالا. أقعدتنى الأيام عاجزا حتى عن الحركة حبيس فراشى بلا أمل فى شىء لا الحياة مرة أخرى ولا التوبة التى بت لا أدرى هل هى من حقى أم لا. ربما كان ما حكيته يبدو مروعا إلى حد كبير ولكنه ليس كل القصة التى عشتها شيطانا صغيرا حتى بت شيطانا عجوزا أتت عليه الدنيا وأوقعته فى مستنقع من الخزى والندم بعد فوات الأوان. ابنى الذى لم أعرفه وتنكرت له دون أن أراه ساقته الأقدار لكى يكون واحدا من آلاف الضحايا الذين وقعوا فى براثن شرورى، كان مدمنا للسم يتآكل عمره يوما بعد يوم وأنا من كان يجرعه الموت سما وإدمانا دون أن أعرفه، حتى جاء يوم رأيت معه سلسلة ذهبية أعطاها لى وقال إنها كل ما يملك لأعطيه بثمنها هيروين وبالصدفة رأيت على السلسلة صورة لامرأة أعرفها كانت أمه التى أوقعت بها من زمن وتكشفت غشاوة الغى والرذيلة من أمام عينى وعرفت أننى كنت أقتل ابنى بيدى أنتزعه من الدنيا انتزاعا وألقى به فى آتون جحيم مستعر. قتلته وليدا عندما تنكرت له وقتلته شابا عندما أدمنته السم حتى مات به بين يدى. وكان لموت ابنى الذى لم أعرفه غير جثة هامدة وقع الزلزال الذى دمرنى وأطاح بكل شرورى وجبروتى. ضاع كل شىء المال والسطوة والصحة والابن الشريد ولم يتبق لى غير وهنى وعجزى ويأسى من التوبة. لست أدر ماذا أفعل هل أستسلم لليأس منتظرا الموت وعذاب رب العزة أم من حقى أن أطمع فى رحمته ولو فى النزق الأخير من عمرى. س - م - ج - المنيا شىء ضئيل مما قلته قد تنوء جبال عاتية عن تحمله ولكنها رحمة الله الرحيم التى وسعت كل شىء ولن تغفلك إن شاء عز وجل، فليس هناك إنسان يخلو من معصية أبدًا، فهذا نقص لا يسلم منه أحدٌ من البشر فليس هناك واحد منا إلا وقد اقترف إثمًا أو فعل ذنبًا، وجميعنا مذنب وجميعنا تائب مستغفر، فلا تقطر على نفسك يا أخى بجلد نفسك بنفسك وطالما أنك حى ترزق فمن حقك أن تطمع فى رحمة ربك مصداقا لقولة تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر: 53) وهكذا هى التوبة تهبُّ منها نسمات رحمة الله بعباده المذنبين فتهبهم الأمل فى العفو والمغفرة، ولكن عليك أن تعى أن صدقك فى توبتك وعزمك عليها قبل أن يقضى الله فيك أمره بانتهاء الأجل شرط أساسى فى قبولها وصدق الله العظيم فى محكم آياته إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (الفرقان: 70) والعمل الصالح هنا مرهون بما يمكنك فعله من خير تمحو به أدران ما فعلت بالصدقات إن كان قد تبقى معك مال، أو حتى بالكلمة الطيبة تقولها فتمنع بها شرا كبيرا، وفى اعتقادى أن اعترافك بإثمك والسعى لنشر حكايتك كى تكون عبرة لغيرك لهو عمل طيب فمواجهتك لنفسك بإثمها بداية الطريق لأى مذنب على طريق التوبة وأحسب الله إن شاء جلت قدرته لا يصد باب رحمته فى وجهك. وهناك روايات كثيرة فى الأثر عمن ارتكبوا جرائم يندى لها الجبين ولم تغفلهم رحمة ربك وأول من أخطأ أبونا آدم. لذا لا تيأس يا أخى ولا تقنط من رحمة الله وغفرانه.