هناك فارق كبير بين أن تتحرك الدولة وفق استراتيجية مستقبلية محددة المعالم واضحة الرؤية لتحقيق أهداف بعيدة المدي وأخري قصيرة المدي وبين أن تتحرك الدولة دون رؤية أو استراتيجية تجاه قضية معينة أو موضوع أو دولة او قارة ففي الحالة الثانية يكون التخبط والفوضي هما سيد الموقف سواء في التعامل مع الأحداث وبالتالي تكون النتائج كارثية بكل المقاييس وتلك الحالة كانت تنطبق تماما علي الرؤية المصرية تجاه القارة الإفريقية خلال فترة حكم مبارك والذي فقدنا فيها الرؤية للقارة السمراء وبالتالي فقدنا وجودنا تماما بالقارة علي كل المستويات. أما الحالة الأولي فهي تنطبق علي ما تشهده السياسة الخارجية المصرية الآن في إفريقيا حيث حدد الرئيس عبدالفتاح السيسي أهداف مصر بالقارة السمراء من خلال استراتيجية واضحة المعالم ترتكز بشكل أساسي علي عودة مصر للقارة من خلال الوجود وبقوة في كافة المنتديات الإفريقية والمشاركة في دعم وتعزيز خطط التنمية المستقبلية من خلال أجندة التنمية2063 والتي توافق عليها القادة الأفارقة وبالتالي يلمس الأفارقة جدية التوجه المصري نحو قارتنا والسعي لعودة القاهرة لمكانتها بين الدول الإفريقية. وقد لمست ذلك تماما خلال مشاركتي في فاعليات اجتماعات البرلمان الأفريقي الأسبوع الماضي بمدينة جوهانسبرجبجنوب إفريقيا حيث وجدت ترحيبا كبيرا واشادة واضحة من قبل أعضاء البرلمان ورئيسه الكاميروني روجر انكودو دانج- والذي زار مصر في مارس الماضي- بقرار الرئيس السيسي موافقة مصر علي استضافة الدورة المقبلة لاجتماعات البرلمان الأفريقي في أكتوبر المقبل بشرم الشيخ حيث كشف القرار عن صدق التوجهات والنوايا المصرية تجاه القارة والسعي بخطوات جادة لدعم البرلمان الإفريقي خلال المرحلة المقبلة خاصة ما يتعلق بجهود البرلمان نفسه في الحصول علي تصديق الدول الإفريقية لتحويله من برلمان استشاري إلي برلمان تشريعي وهو ما يعطيه قوة كبيرة في خدمة قضايا القارة في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها المواطن الإفريقي. وأعتقد أن الرؤية المصرية الجديدة للقارة الإفريقية وكيفية التعامل مع قضاياها سيكون لها مردود كبير وواضح علي الاقتصاد المصري ودعم وجودها سياسيا وثقافيا في القارة من خلال دعم المشاريع الكبري وفي مقدمتها مشروع الربط بين جنوب وشمال القارة وهو ما يطلق عليه مشروع قطار القاهرة كيب تاون والذي تمت مناقشته كثيرا ومازال في انتظار التنفيذ ليكون نقطة انطلاق مهمة ومؤثرة في تعزيز حركة نقل البضائع والتجارة بين الدول الإفريقية وليكون سببا مهما في دعم حركة الأفراد في القارة دون قيود أو عقبات وهو ما يسهم بشكل كبير في تعزيز التجارة والاستثمار وخلق فرص عمل جديدة للشباب وتحسين مستوي البنية الأساسية بما يخدم خطط التنمية المستقبلية بالقارة. والمؤكد أن الدور المصري في القارة بعد تفعيله سيمثل إضافة قوية في جهود مكافحة الإرهاب الذي بات يهدد التنمية بها خاصة في ظل وجود جماعات الشباب الصومالية الإرهابية في الجنوب وجماعة بوكوحرام في الغرب وتنظيم داعش الإرهابي في الشمال مما يجعل حركة التنمية بين دول القارة في تلك المناطق تسير ببطء شديد بل انها تتعثر تماما في مناطق عديدة بسبب تلك الجماعات الإرهابية التي تسعي إلي خلخلة الاستقرار والأمن في ربوع القارة ولذا لا مفر أمام الدول الإفريقية من تنسيق جهودها لمواجهة الإرهاب والاستفادة من خبرة مصر في هذا المجال وهو ما يتم حاليا من خلال وجود مصر بقوة في التجمعات الإفريقية من الساحل والصحراء والبرلمان الأفريقي وعضوية مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي وأيضا عضويتها في تكتل الكوميسا الاقتصادي. [email protected]