فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون( البقرة:152) يأمر الله عباده بأن يكثروا من ذكره وشكره علي ما أسبغ عليهم من نعم, وذكر الشيء: التلفظ باسمه, ويطلق بمعني استحضاره في الذهن, وهو ضد النسيان وذكر العباد لخالقهم قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب وقد يكون بالجوارح فذكرهم إياه بألسنتهم معناه: أن يحمدوه ويسبحوه ويمجدوه, ويقرءوا كتابه, مع استحضارهم لعظمته وجلاله, وذكرهم إياه بقلوبهم معناه أن يتفكروا في الدلائل الدالة علي ذاته وصفاته وفي تكاليفه وأحكامه, وأوامره ونواهيه, وأسرار مخلوقاته, لأن هذا التفكر يقوي إيمانهم, ويصفي نفوسهم. وذكرهم إياه بجوارحهم معناه: أن تكون جوارحهم وحواسهم مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها, منصرفة عن الأفعال التي نهوا عنها, ولكون الصلاة مشتملة علي هذه الثلاثة سماها الله تعالي ذكرا في قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع... هذا, وقد وردت أحاديث متعددة في فضل الذكر والذاكرين, ومن ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله, يقول الله تعالي: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني, فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا, وإن تقرب إلي ذراعا تقربت اليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة. وقوله تعالي واشكروا لي ولا تكفرون معطوف علي ما قبله, والشكر في اللغة كما يقول القرطبي الظهور, وحقيقته: عرفان الإحسان وإظهاره بالثناء علي المحسن, يقال شكره وشكر له كما يقال نصحه ونصح له. وأصل الكفر في كلام العرب الستر والتغطية والجحود, ويستعمل بمعني عدم الإيمان فيتعدي بالباء فيقال: كفر بالله, ويستعمل بمعني عدم الشكر وهو المراد هنا فيتعدي بنفسه, فيقال: كفر النعمة أي جحدها وكفر المنعم أي جحد نعمته ولم يقابلها بالشكر, والمعني: أشكروا لي ما أنعمت به عليكم من ضروب النعم, بأن تستعملوا النعم فيما خلقت له, وبأن تطيعوني في السر والعلن, وحذار من أن تجحدوا إحساني إليكم, ونعمي عليكم فأسلبكم إياها. التفسير للدكتور محمد سيد طنطاوي (رحمه الله)