تجتذب البرازيل حاليا اهتمام العالم مع دورة ألعاب أوليمبية قادمة هذا الصيف, وفيروس زيكا المبهم, مع فضائح تضع السياسيين هناك, بمن فيهم رئيسة البلاد, فوق صفيح ساخن. والسبب قضية فساد كبري. وليس للأمر علاقة بأوراق بنما, فالمسألة أكبر من تلك الأوراق وأعمق. تبلورت خيوط الحكاية فجر أحد أيام الخريف الماضي, عندما داهمت الشرطة فندق رويال توليب المهيب, نزل السياسيين المرموقين ورجال الأعمال الأثرياء. ولاشك أن الضجة الشديدة التي أحدثتها الشرطة قد أزعجت ديلسيديو دو أمارال الذي كان مستمتعا بنوم هادئ عميق. كان أمارال قبل لحظة القبض عليه أقوي رجال الحكومة البرازيلية في مجلس الشيوخ, رجلا له ماض سياسي مشرف. ومنذ الوهلة الأول أعرب أمارال عن رغبته في عقد صفقة مع جهة التحقيق بحيث يعترف بكل شيء وبأسماء السياسيين المتورطين في هذه الفضيحة مقابل حريته. لكن جهة التحقيق أرجأته عدة أشهر في محبسه كي تكون اعترافاته خالصة صادقة وتامة. والفضيحة هنا تتعلق بشركة البترول الوطنية البرازيلية بتروبراس التي تلقي المسئولون فيها رشاوي من الشركات الأجنبية المتعاقدة معها بلغت حوالي ثلاثة مليارات دولار, قاموا بعد ذلك باستخدامها في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم. وقد طالت الفضيحة حتي الآن أربعين شخصا من سياسيين ورجال أعمال في مسلسل لاتزال حلقاته مستمرة. من بين الاعترافات التي أدلي بها أمارال أن رئيس البرازيل السابق ومؤسس حزب العمال, لويس انسيوس لولا دا سيلفا المعروف باسم لولا, أجري محاولات لشراء صمت رجل أعمال لكي يبقي هو بعيدا عن الفضيحة. وعندما قامت رئيسة البلاد ديلما روسيف بإصدار قرار بتعيين لولا رئيسا لهيئة العاملين بالرئاسة, فسر كثيرون تلك الخطوة بأنها إجراء لمنحه الحصانة. غير أن قاضيا بالمحكمة العليا باغت لولا بتوجيه اتهام له قبل أداء اليمين. وقد أنكرت السيدة روسيف رئيس البلاد علمها بقضية فساد شركة بتروبراس, وهو ما لم يصدقه كثيرون, نظرا لأنها كانت تتولي منصب رئيس هذه الشركة فيما بين عامي2003 و2010 أي في ذروة سنوات الفساد, وقد تركت المنصب لتخوض انتخابات رئاسة البلاد, وتفوز بمساندة من الرئيس لولا التي انتهت ولايته في ذلك العام. والبرازيل ليست الدولة الوحيدة في قائمة الديمقراطيات الوليدة التي يواجه سياسيوها قضايا فساد, فعلي مدي ست سنوات تتواصل حلقات فضيحة مالية لرئيس جنوب أفريقيا الحالي جاكوب زوما. فقد أنفق15 مليون دولار من المال العام لتجديد مقر إقامته بدعوي الإجراءات الأمنية, ثم تبين أن تلك التجديدات شملت حمام سباحة ومسرحا وحظائر للماشية والدجاج! وقد طالبه تقرير صادر عن النائب العام برد المبلغ للأموال العامة, لكنه لم يستجب باعتبار أن التقرير ذو صفة استشارية وليس ملزما. وسواء تعلق الأمر بالاستيلاء علي المال العام أو تلقي رشاوي, فإن حالتي رئيس جنوب أفريقيا الحالي زوما ورئيس البرازيل السابق لولا تثير علامات استفهام كثيرة حول الأسباب التي تدفع السياسيين الواعدين للفساد. فالرئيس زوما يتمتع بشعبية واسعة بين الفقراء, والرئيس لولا يشتهر بأنه الزعيم الأكثر تأثيرا في العالم, وبأنه صاحب برامج الإصلاح الاجتماعي لمساعدة الفقراء وكان من قبل واحدا منهم. فقد بدأ ماسحا للأحذية واشتغل عاملا قبل أن يسلك العمل النقابي ويتجه للسياسة. الزعماء الفاسدون أغبياء لأنهم لم يستغلوا النجاح الذي حققوه بوصولهم إلي قمة السلطة حيث الفرصة الذهبية لتغيير حياة شعوبهم نحو الأفضل. اختاروا الفشل والخروج من تاريخ أوطانهم تلاحقهم اللعنات.