حسنا فعل مجلس النواب, عندما أسقط عضوية توفيق عكاشة, فالضرب بالحذاء وحده لم يكن يكفي, لأن يبتلع لسانه ويصمت للأبد, وهو الذي ملأ فضاء مصر علي مدار خمس سنوات, بالفاحش من القول, عبر فضائيته التي تحولت إلي نموذج فج, لما يطلق عليه في الادبيات الاعلامية الفضائيات الصفراء او الاعلام الفضائحي. تجاوز توفيق عكاشة, كل الخطوط الحمراء, وضرب عرض الحائط بكافة المواثيق الخاصة بالشرف الاعلامي, وحول فضائيته الي منصة للاكاذيب, لم تتوقف عند حد اختلاق عشرات من القصص الوهمية, طمعا في صناعة بطولة زائفة, وانما امتدت لتطال كيان الدولة وشرعية نظامها, الذي قد يختلف كثيرون حول ادائه السياسي والاقتصادي, لكنهم يكادون يتفقون علي أنه نظام جاء بالانتخاب الحر والمباشر, وعبر صناديق اقتراع حقيقية, في ظرف تاريخي استثنائي, ربما لم تشهد له مصر مثيلا في تاريخها الحديث والمعاصر. علي مدار سنوات, وكثير من المصريين يتساءلون في دهشة: من أين يأتي توفيق عكاشة بكل هذه الثقة, التي كانت تنقلب في كثير من الاحيان الي وقاحة, في التعرض لكثير من المواقف التي تتعلق بخصوم للنظام الحالي, وهي وقاحة لم تكن تخلو من معلومات, ما كان يؤشر بوضوح الي وقوف أجهزة ما خلفه, ترفده بكل هذه المعلومات التي يبني عليها عروضه الاعلامية, وهي عروض أقرب الي ما يقدمه الحواة في عروض السيرك القومي, عندما يخرجون أفراخ الحمام البيضاء من مناديلهم السوداء, علي خشبة مسرح خافت الاضواء. تحول توفيق عكاشة وإعلامه علي مدار السنوات الخمس الماضية الي ظاهرة بالفعل, وربما لن يصدق البعض, أنه كان موضوعا لدراسة انثربولوجية رصينة, عكف عليها,WalterArmbrust الأستاذ بكلية الدراسات الشرقية بجامعة أكسفورد, لمدة عامين هي فترة اقامته في مصر, سعي خلالها الي محاولة تقديم جواب علمي, يفسر هذا البزوغ اللافت, لنجم توفيق عكاشة خلال عامين من اندلاع ثورة25 يناير, وبخاصة ما يتعلق منه بالجانب الاعلامي, لرجل لم يكن له حضور علي الاطلاق, سواء في المشهدين الاعلامي أو السياسي المصري, باستثناء عضويته السابقة في الحزب الوطني, وعمله كمذيع في احدي القنوات المغمورة للتليفزيون الرسمي للدولة. لعب عكاشة حسبما انتهت الدراسة, دورا مؤثرا علي مدار أكثر من ثلاث سنوات, رغم أنه لا يمتلك من الإمكانات ما يؤهله للعب هذا الدور, دون دعم مباشر من قبل أجهزة, كانت تستخدمه كشخص هزلي, يقترب الي حد كبير من سمت المهرج, علي ما يعنيه ذلك من قدرة علي استقطاب فئات عدة, مثل الفلاحين وغير المتعلمين, ونسبة كبيرة من ابناء الطبقة المتوسطة, الذين يشكلون النسبة الأكبر من المجتمع المصري. لكن أي نوع من الاجهزة, كان يعمل معه عكاشة؟. ربما تكفي حادثة الاسبوع الماضي, ولقائه العجيب مع السفير الاسرائيلي في القاهرة, للاجابة علي هذا السؤال, الذي حير كثير من المصريين لسنوات, والاجابة بالمناسبة لا تعني أنه كان يتعامل مع الموساد الاسرائيلي, فالأخير ليس من السذاجة لأن يضع تاريخه وسمعته, كواحد من أفضل أجهزة الاستخبارات في العالم, في يد مهرج مصري, وانما الاجابة تقول بوضوح, أن توفيق عكاشة كان يلعب المباراة منذ بدايتها لحساب توفيق عكاشة نفسه, وقد انتهت المباراة أخيرا, بالنتيجة العادلة: حذاء علي الرأس, وركلة خارج البرلمان. انتهت القصة أخيرا.. ولم يتبق سوي أن نقلب الصفحة, وننتظر ظهور عكاشة جديد.