استفت قلبك جملة كثيرا ما نسمعها علي لسان من حولنا ردا علي أمور نتعرض لها في حياتنا ومسائل دينية تحتاج إلي فتوي صحيحة في ظل التضارب والخلط الذي يحدث علي شاشات الفضائيات من فتاوي غريبة تصدر عن داعية أو شيخ, البعض منهم يسعي إلي خطف الأضواء والشهرة حتي وإن كان علي حساب دينه, فتلك الجملة التي تمثل جزءا من حديث علي لسان أشرف الخلق ليس المقصود بها عامة الناس كما فهم البعض ولكن هي موجهة للعلماء لكونهم علي دراية بأصول اللغة العربية ومعانيها وفقه الإسلام وأحكامه الشرعية ودرسوا في الأزهر مايؤهلهم لاستفتاء أنفسهم, أما الإنسان الذي لم يدرس علوم الدين الإسلامي وجهه الله عز وجل للاستخارة في كل أموره لكي يصل إلي الفعل الصحيح في البداية يقول الدكتور عبد المهدي عبد القادر استاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين جامعة الأزهر إن النبي صلي الله عليه وسلم علم المسلم أن يستخير الله عز وجل قبل الإقدام علي فعل اي شيء في أمور حياته لأن الاستخارة تهدي الإنسان إلي فعل الصواب, اما عن وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: يا وابصة, استفت قلبك, واستفت نفسك ثلاث مرات; البر ما اطمأنت إليه النفس, والإثم ما حاك في النفس, وتردد في الصدر, وإن أفتاك الناس وأفتوك, فإن المقصود باستفت قلبك فليس كل إنسان يسأل قلبه أو يسأل نفسه ولكن هذا خاص فقط بأهل العلم وأضاف أن العالم الذي درس الإسلام وشريعته وأحكامه يستطيع أن يستفتي قلبه أما من لم يلم بعلوم الإسلام وفقهه فلا يصح له أن يستفتي نفسه ولابد من سؤال أهل العلم ومراجعة علماء الدين في كل أمور حياتنا لقوله تعالي وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون(43) سورة العنكبوت, كما أنه ينبغي مراعاة التخصصات الدينية عند استشارة اهل العلم والعلماء فمثلا استاذ الفقه يسأل عن الأحكام الشرعية واستاذ التفسير عن معاني الآيات القرآنية واستاذ الحديث عن معاني الآحاديث ومدي صحتها ومعناها. وأشار د.عبد المهدي إلي أنه ينبغي علي كل مسلم قبل سؤال أي عالم دين أن يتأكد من أن علمه يرتضي أئمة العلماء, فأن العلم ليس بالمظهر وإنما بالمخبر وهو أيضا لمن استقام وله المقدرة علي الاستنباط ولديه فهم دقيق للدين, لكي نتفادي من يدعون العلم وهم يسعون إلي الشهرة وخطف الأضواء حتي وان كان علي حساب دينهم لقوله تعالي(( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا).سورة( النساء الآية رقم(83). ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء: إن الله سبحانه وتعالي خلق الناس ولديهم فطرة الإيمان وهي حاسة تجعله يرفض اي شيء يشينه شبهة الحرام, وعن حديث النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال:( البر حسن الخلق, والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس), بالإضافة إلي قوله عليه أفضل الصلاة والسلام( إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقي الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعي حول الحمي يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمي ألا وإن حمي الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. ويقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقا: إن هناك أمورا كثيرة في حياة الإنسان تحتاج إلي سؤال أهل الذكر من أجل التوضيح فهم الموقعون عن الله عز وجل لقوله تعالي:( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) سورة النحل الآية رقم(43), فينبغي لمن يتصدي للإفتاء أن يكون حافظا للقرآن الكريم وتعاليم الرسول صلي الله عليه وسلم وأن يكون علي علم بأقوال الأئمة والمجتهدين وعلي دراية تامة باللغة العربية ونفسية المستفتي أو طالب السؤال, وأن يكون أيضا من أهل التقوي والورع والصلاح ويقصد بفتواه رضا الله وليس حب الظهور, ويوضح الشيخ الأطرش أن جميع البشر يعرفون الفرق بين الحلال والحرام حتيالحيوانات فلو حصلت قطة علي سمكة برضي إنسان عطف عليها فستقف بجواره لتأكلها أما إذا غافلته وسرقتها دون علمه تفر مسرعة لأنها تعلم أنها ارتكبت شيئا حراما أو غير مقبول, ولكن هناك من يجاهرون بالسوء والمعصية ولايهمهم شيء ولهم عذاب عظيم وليعلموا أن الله يعلم السرائر وخائنة الأعين وما تخفي الصدور لقوله تعالي( والله يعلم ما في قلوبكم سورة, الأحزاب:51]