ما جري عدة مرات من تراشق قبيح علي الهواء عبر شاشات القنوات الخاصة بين مذيعين وصحفيين وكتاب ومفكرين يدل علي حالة من التردي المهني والأخلاقي التي لم يشهدها فن التليفزيون في مصر من قبل! نعم.. في الصحافة قديما, كانت صولات وجولات ومعارك بين الكتاب في الصحف مثلا معارك طه حسين والعقاد لم يقل فيها طه حسين للعقاد علي الملأ( ادفع اللي عليك) وكانت معارك بين زكي مبارك وطه حسين لم يذع أحدهما تسريبات تليفونية ضد الآخر.. كانوا رجالا! يزيد من تفاقم أزمة الإعلام الخاص أنه مقبل علي أيام قحط وجفاف في مصادر التمويل بدت نذرها تهز عرش الفضائيات والصحف الخاصة فامتدت الأزمة حاليا إلي جيوب شباب الصحفيين والإعلاميين وأمانهم الوظيفي, المشكلة أننا قد نصحو علي نصف الفضائيات والصحف الخاصة وقد أغلقت في الأيام القادمة بفعل أزمات مالية. وفي تقديري أن أزمة الإعلام الخاص أعمق من نقص التمويل, أنها أزمات مهنية وهيكلية تتعلق بالأسس التي بني عليها رجال الأعمال مؤسساتهم الإعلامية, والواقع يقول لنا إن معظم الفضائيات والصحف الخاصة قامت بدون دراسات اقتصادية واضحة. كما أن بعض هذه الكيانات الإعلامية كانت نتاجا للزواج بين رأس المال والسلطة بهدف تحقيق مكاسب ومصالح بعض رجال الأعمال مثل تخصيص الأراضي والحصول علي قروض من البنوك بدون ضمانات. ولعل التحليل الأخير لما يجري يقودنا إلي حقيقة نتغافل عنها حاليا وهي:لا يوجد في مصر إعلام حر مستقل خاص أو حكومي!, والدليل أن الإعلام الرسمي أسهمت الحكومات المتعاقبة في إضعافه وتراجع دوره وتواضع هامش الحرية المتاح فأمسي أداة دعائية للسلطة ففقد سحره الذي كان مثل ماسبيرو. كذلك الإعلام الخاص لم يؤد كما يشاع إلي توسيع هامش الحرية الإعلامية علي النحو المأمول, بل إن التحليل الدقيق يقول العكس, فقد أسهم إعلام رجال الأعمال في تقييد حرية الإعلام وجعله أسيرا لأهداف وتوجهات مالكيه الجدد, ومعبرا عن مصالحهم. وكما تحول الإعلام الرسمي إلي بوق للسلطة, تحول الإعلام الخاص إلي أداة لخدمة مصالح وأهداف رجال الأعمال الاقتصادية والسياسية حسبك أن تراجع التغطية الإعلامية للقبض علي توفيق دياب ونجله وكيف سارت بعدها الأمور! ضاعف من تأثير رأس المال علي السياسة التحريرية للقنوات والصحف الخاصة قانون غريب وضع أصلا لضمانات وحوافز الاستثمار, وضع لمصانع المكرونة والحديد والأسمنت في المناطق الحرة, كيف نحكمه في إنشاء ومحاسبة القنوات الخاصة؟ هذا القانون تساهل جدا في القواعد التي تحدد شكل الملكية ونسبتها لكل شخص بما يمنع احتكارها أو التأثير في أداء عملها.ورغم أن قانون تنظيم الصحافة ينص علي ضوابط صارمة تحد من تركز الملكية في يد فرد أو عدد من الأفراد, فإنه لا يمكن الجزم بأن ثمة التزاما به, والأمر نفسه وربما أكثر سوءا في الإعلام التليفزيوني, حيث تعود ملكية الفضائيات لعدد من رجال الأعمال بل إن بعضهم يمتلك أكثر من قناة في نفس الوقت مما جعل لملاك هذه المؤسسات الكلمة الفصل في سياستها الإعلامية نتيجة غياب الفصل بين الملكية والإدارة والسياسة التحريرية. المشكلة الحالية أمام رجال الأعمال أن الرئيس السيسي بخيل بالمال العام, نمط مختلف; لا يتعامل معهم وفق منطق مبارك, بل إن السيسي لازال يطالبهم بالتبرع لصندوق( تحيا مصر)..يعني يخسرون في قنواتهم وصحفهم( وكمان يتبرعوا) فينك يا مبارك! لهذا, نعتقد أن اتجاه أصحاب الإعلام الخاص سيكون قريبا نحو تقليص الإنفاق أو الإغلاق فقد أصبحت كياناتهم الإعلامية عبئا علي مصالحهم وعلاقاتهم بالسيسي. أستاذ الإعلام بجامعة المنيا رئيس جمعية حماية المشاهدين