محلات متجاورة برواق عتيق. مسقوف. يواجه باب زويلة من الجهة القبلية بالقاهرة القديمة. تعرض لوحات فنية غاية فى الروعة. تصور جمال ريف مصر ونيلها العظيم. تعتمد على التطريز. أو على الصوف المغزول المتعددة أصباغه. المنسوج ببراعة الأيدى الموهوبة المتمرسة. هذه اللوحات هى بسط أو جداريات. وهى التى ذكرتنى بواحدة اشتريتها سنة 1974. ولكن من قرية كرداسة. تبرز حقلا زاهى الألوان يقع على ضفاف النيل العظيم. وهى ما تزال معلقة فى بيتى حتى الآن من دون أن تفقد لونا من ألوانها المتناسقة الجميلة. كنت فى طريقى إلى سويسرا. فطلب منى صديق أن أشترى له عباءات. ليهديها إلى ممرضات. يعملن بمستشفى كان يتعالج فيه ابنه. ثم أضفت. لما طلب. هذه الجدارية ليهديها إلى الطبيب. ابتهج صديقى بالجلابيب. وأعجب كثيرا بالجدارية. ولكنه أصرّ أن أعود بها إلى بيتي. مؤكدا أنها تناسب ركنا كنا نجلس فيه معا. مؤكدا لى أن فنانا مصريا افتتح السنة الماضية معرضا فى مدينة (بال). فنجح فصار متجرا لبيع تحف التراث المصري. اتسعت شهرته وعمت منتجاته معظم أسواق العواصم الأوروبية المتخصصة فى فنون الصناعات اليدوية. وفى عطلة نهاية الأسبوع زرنا المحل وكان بالفعل بديعا! ولقد وقع فى يدى مقال قديم يتحدث عن هذا الفن. وذكر أن معرض "بال" تحديدا. افتتح سنة 1958. وأن الذى رعى وساهم فى تطوير هذا الفن..لدرجة أنه يعد مؤسسة هو مهندس معمارى مصري. اسمه رمسيس ويصا واصف. كان قد درس الفنون الجميلة وأدرك أهمية احتراف هذا الفن فطوره بغية نشر هذا التراث الفنى البديع. فأسس سنة 1941 معملا. أو قل مدرسة تحوى 6 أنوال. فى قصر الشام بالقاهرة القديمة. يتعلم فيها الصبية. من بعد ساعات الدراسة. هذا الفن. ثم طور مشروعه فأسس سنة 1952. فى قرية (الحرانية) القريبة من القاهرة. معملا. مستثمرا قدرة الصبية على سرعة تعلم هذا الفن. مقتنعا "بأن كل انسان يولد فنانا. ويبدع بالتأكيد. إن حظيت الموهبة الفطرية بالرعاية والتوجيه فى الصغر". فصارت القرية عنوانا لهذا الفن المعتمد على الصوف والأصباغ الطبيعية وفنون الغزل والنسيج. والحياكة. وهكذا بدأ الإنتاج. فنظم أول معرض لهذا الفن بجمعية الصداقة الفرنسية سنة 1954. ثم معرض بال بعد أربع سنوات. وهو المعرض الذى زرته سنة 1974. وفى العام نفسه. رحل فيه هذا الفنان عن عالمنا. بعدما أسس لهذا الفن فانتشر باتساع قرى مصر. ولعله الفن الذى استعصى على الأنوال الصينية المتطورة فلم تستطع تقليده. وهى التى صارت تقلد كل شيء. بما فى ذلك الكثير من التحف والصناعات التقليدية. المعروضة فى خان الخليلي! والحقيقة أننى من الجيل الذى فتح عينيه على الصناعات المصرية. التى انتشرت بالأسواق الليبية فى خمسينيات وستينيات القرن الماضي. فى الوقت الذى لم يكن فيه منتج صينى واحد باستثناء مرهم أبوفأس لعلاج البرد! ثم فى مطلع سبعينيات القرن الماضى تغرق الصين أسواقنا بلباسنا الوطني. المنتشر من برج العرب حتى رأس أجدير. وهو المعتمد أساسا على القماش القطنى الأبيض فقط! ولم يطل الزمن. حتى تمكنت الملابس القطنية الداخلية التركية والصينية من إبعاد المصنوعات المصرية المصنوعة من أجود أقطان العالم. ليس من ليبيا فقط. ولكن من معظم أسواق إفريقيا كلها؟ ماذا حدث؟. ما الذى جعلنى أقف مذهولا؟ أراقب عاملين يفرغان عربة (نص نقل) محملة بأزهار بلاستيكية صينية الصنع عند مدخل سوق الموسكي! ماذا حدث. فأرض مصر مازالت مثلما قال عنها عمرو بن العاص: ترابها ذهب ونيلها العظيم يطرح طميه مع شروق الشمس وغروبها! هل اختفاء بائع عقود الفل من شوارع القاهرة. بسبب أن الأرض الطيبة لم تعد تطرح الأزهار؟. أم الأذرع السمراء التى زرعت الأهرامات. لم تعد قادرة على زراعة الياسمين؟ هل نترك بائع الفل يبيع الزهور الصناعية. وضفاف النيل تفوح نسائمه بروائح الأزهار كلها؟ [email protected]