إن قضية التعليم من أهم القضايا التي يجب أن يعني بها الباحثون والمصلحون في كل زمان ومكان; لأنها ترتبط بإعداد الأجيال التي تحمل رسالة هذه الحياة, وتهتم بتأهيلهم; ليتبوؤا المكانة اللائقة بهم في هذا المجتمع ولا تعرف البشرية دينا مثل دين الإسلام, عني بالعلم أبلغ عناية, دعوة إليه, وحضا علي طلبه, وبيانا لآدابه, وتعظيما لقدره, ورفعة لأهله. غيرأن كثيرا من علماء التربية والتعليم من المسلمين هرول وأسرع الخطي نحو النظريات التربوية الغربية الحديثة تاركا وراء ظهره المصادر الحقيقية للتربية والتعليم, تلك النظريات التربوية التي قد لا تؤتي ثمارها, بدليل تغيرها بعد سنوات قليلة من ظهورها; لذا آثرت أن أكتب مقالاتي هذه لأؤصل للمنهج النبوي الشريف في العملية التعليمية. المباديء النبوية في التعليم كان الرسولصلي الله عليه وسلم معلما, ومربيا, وحاكما, وقاضيا, ومفتيا, وكانت حياته كلها حياة تربية وتعليم, وتأديب وتهذيب, فقد أرسل الله تعالي رسوله صلي الله عليه وسلم إلي قوم يعبدون الأصنام, ويشربون الخمر, ويسفكون الدماء, ويأكلون الربا, ويأتون الفواحش ما ظهر منها وما بطن, ويتفاخرون بالأحساب والأنساب, فلم يزل بهم يزكيهم, ويربيهم, ويعلمهم, ويوجههم, ويرشدهم حتي صاروا بحق خير أمة أخرجت للناس. وقد التزم النبي صلي الله عليه وسلم في تعليم هؤلاء القوم أو في تعليم الصحابة رضي الله عنهم منهجا تربويا, له أسسه ومبادؤه, وله طرائقه وأساليبه ووسائله, ويمكن حصر أهم أسس ومبادئ هذا المنهج في النقاط التالية: الترحيب بالمتعلم, والتواضع, والرفق به, والإشفاق عليه, وتحين الفرص المناسبة للتعليم مع التوسط والاعتدال, ومراعاة النبي صلي الله عليه وسلم للفروق الفردية, مثل: مخاطبة الناس علي قدر عقولهم. ومخاطبة الناس بلهجاتهم. ومخاطبة الناس حسب أحوالهم. ومثل: رفع الصوت وإعادة الكلام مرتين أو ثلاثا; ليفهم عنه.ومن هذه المباديء النبوية أيضا: إثارة انتباه المتعلمين, والتدرج في التعليم, وربط التعليم بالوقائع والأحداث, والتقويم المستمر. أولا: الترحيب بالمتعلم من أهم معالم منهج النبي صلي الله عليه وسلم في التعليم: أنه صلي الله عليه وسلم كان يستقبل المتعلم بالترحيب به, والبشاشة في وجهه, وإظهار البشر والابتهاج له; ليزيل عنه الوحشة, وليوثق العلاقة بينه صلي الله عليه وسلم وبينه, وليحل الحب للمعلم محل الخوف والرهبة منه; فيزداد الإقبال من المتعلم والعالم علي العلم. أخرج الإمام أحمد في مسنده, والحاكم في مستدركه, والإمام الطبراني في معجمه, واللفظ له, الجميع بأسانيدهم عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم, وهو في المسجد, متكئ علي برد أحمر, فقلت له: يا رسول الله, إني جئت أطلب العلم.فقال صلي الله عليه وسلم:مرحبا بطالب العلم, إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها, ثم يركب بعضهم بعضا حتي يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب وأخرج ابن ماجه في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:سيأتيكم أقوام يطلبون العلم, فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحبا مرحبا بمن أوصي بهم رسول الله صلي الله عليه وسلم وأقنوهمأي: علموهم. واقتدي الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم بهذا النهج النبوي, وهو الترحيب بالمتعلمين وتكريمهم وإعانتهم حتي يقبلوا علي العلم, ويستمروا في طلبه. فها هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقول إذا رأي الشباب يطلبون العلم:مرحبا بينابيع الحكمة, ومصابيح الظلم, خلقان الثياب, جدد القلوب, حبس البيوت, رياحين كل قبيلة رئيس قطاع أصول الدين كلية الدراسات العليا وأستاذ الحديث وعلومه جامعة الأزهر