تابعت المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية من خلال عروس البحر المتوسط الإسكندرية من بداية الدعاية وحتي إعلان النتائج.. وقد خلصت من هذه الانتخابات إلي ما يلي: أولا: إن معظم المرشحين سواء عبر القوائم أو من خلال المقاعد الفردية ليست لهم برامج علي الإطلاق ولا حتي وعود انتخابية محددة لحل المشاكل الأساسية للناس مع أن كل الانتخابات السابقة كانت تحوي برامج ووعودا حتي وإن كانت ذرا للرماد في العيون. ثانيا: أن وظيفة النائب البرلماني تتكون من شقين وهما الشق التشريعي والآخر وهو مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها.. ومعظم المرشحين أغفلوا الوظيفتين.. ومن ذكر منهم الأولي لم يذكر الثانية أبدا.. وكل مرشح حاول مغازلة الحكومة والتقرب إليها والإيحاء للناخبين أنه معها قلبا وقالبا.. وإذا كان الأمر كذلك فما فائدة البرلمان أصلا.. في الوقت الذي تكون الأجهزة الرقابية الأخري أكثر فاعلية وجرأة منه. ثالثا: كان الصوت الأعلي في الدعاية هو الأغاني الوطنية.. فإذا مررت علي شادر أي مرشح لا تري أحدا فهو خاو علي عرشه ولا تسمع سوي من ميكرفون مزعج جدا يبث الأغاني الوطنية ليل نهار وكأن الحرب أوشكت علي الاندلاع.. وسيارات المرشحين لا تقول شيئا غير اسم المرشح والأغاني الوطنية.. وكأن هذه الأغاني ستطعم الجائع وتكسو العاري وتحل البطالة وتسكن الشباب الذي يريد الزواج دون شقة. رابعا: لو قارنت أعداد الشباب الغفيرة في المقاهي والكافيهات أثناء مباراة الأهلي والزمالك في كل ربوع مصر من الإسكندرية لأسوان وبين أعداد الشباب في الانتخابات سواء في مرحلة الدعاية أو في مرحلة التصويت في اللجان لهالك الأمر واستهوتك أحزان.. ولأدركت أن الشباب قد عزف تماما عن المشهد السياسي كله.. وأنه أدرك أنه لا دور له وأن الجميع كان يريد حشده لمصلحته لا لمصلحة الوطن.. وأدرك أنه خرج من ثورتي25 يناير و30 يونيه خاوي الوفاض وأنه لم يحقق أي حلم وطني من الأحلام التي كان يريدها. وتزداد المصيبة إذا علمت أن الشباب يمثل63% من القوة الانتخابية أي ما يوازي عدد ناخبيه33 مليون ناخب لم يحضر منهم إلا القليل.. ولماذا يحضر وهو لا يجد عملا ولا زوجة ولا مسكنا كريما ولا تعليما جيدا.. ولا يجد إلا المقهي والشيشة ينفس فيها همه وحزنه.. ويجد أن الوظائف تباع وتشتري وتورث كما كان يحدث من قبل.. وبعضهم يسعي للهجرة خارج مصر لأنه لا يجد نفسه في وطنه بعد أن أعطاه كل شيء.. فحملة الدكتوراه والماجستير لا يجدون عملا وبعضهم قدم أوراقه للعمل كمدرس معاون ابتدائي فيرفض طلبه ويرد علي أعقابه. خامسا: مني حزب النور بهزيمة كبيرة لعدة أسباب رئيسية أهمها:- تعرضه لحملة إعلامية ودعائية مركزة ومتواصلة بعضها يجافي الحقائق مثل ربطه بداعش أو بالتفجيرات أو برابعة رغم أن حزب النور لا علاقة له بذلك من قريب أو بعيد.. وكان يمكن انتقاده بطريقة فيها مصداقية وتجرد.. ولكن هذا غاب عن معظم الإعلام المصري هذه الفترة. تفتت المعسكر السلفي الذي انضم جزء منه إلي تحالف الإخوان والشرعية وجزء منه ترك العمل السياسي. حزب النور والسلفيين عامة أضعف في الحشد وتجميع الأنصار من الإخوان خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة. اختلاف المرأة الإخوانية التي تعد كائنا تنظيميا سياسيا ديناميكيا.. أما المرأة السلفية فهي كائن ديني منزلي استاتيكي.. كما أن ملابس المرأة السلفية تحول بينها وبين التواصل الجيد مع فئات كثيرة من المجتمع. أظهرت الدولة أنها لا ترغب في أن يكون التيار السياسي الإسلامي سواء كان سلفيا أو غيره ظهيرا لها أو واقفا خلفها.. وأنها لا ولن تطمئن لهذا الظهير مهما بدا مخلصا لها.. وأنها الآن قوية لا تحتاج إليه ولا لغيره.. وأنها لا تحتاج لتيارات قوية لأنها لا أمان لها. سادسا: أثبتت الإخوان أن مصر الآن بلا أحزاب حقيقية.. وأن كل الأحزاب ورقية كرتونية تمتلك صحفا وقنوات تطل بها من عل علي البسطاء والكادحين.. ولا وجود لها في الشارع ولا بين الناس ولم يستطع أي حزب أن يعقد مؤتمرات انتخابية قوية باستثناء النور وهو حشد ديني وقائمة في حب مصر وهو حشد عشائري شبه حكومي. سابعا: يعد عزوف الناخبين عن الذهاب للتصويت في اللجان رسالة ذكية من شعب ذكي ضاق ذرعا بحياته كلها وخاصة الاقتصادية.. فكيف يعيش في هذا الغلاء الفاحش وكيف يعيش وهو يري تدني الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات ؟وكيف يعيش وهو يري الانهيار الكامل للطبقة الوسطي التي تحمي المجتمع من الانهيار؟وكيف يعيش وهو يري معظم المرشحين ليس منهم سياسي فذ ؟ولا برلماني مخضرم ولا اقتصادي مشهود له بالكفاءة ولا قانوني معروف.. وإنما يشاهد جموعا تريد التهام ما تبقي من الكعكة.. إن كان قد تبقي منها شيء. لقد نظر العريس إلي عروسه في أول يوم يراها فوجدها شاحبة الوجه كئيبة المنظر شرسة الأخلاق بدأت قصائد الزواج بالكذب فهرب العريس فورا.. ولا لوم عليه أن يهرب من أربع سنوات سجنا في برلمان لا أمل منه ولا فيه.. واحتمالات حله بعد عامين كبيرة.. ولن يستفيد منه شيئا.. يا عالم إنه معذور فلا تلوموا هذا الشعب المسكين.. أطعموه وأشبعوه قبل أن تجلدوه بالانتخابات البرلمانية.