عندما تعتمد مواضيع الكتابة علي مدونات يومية, من واقع الملاحظة المباشرة, تصبح الكتب التي تحويها هي الأكثر قراءة, ولعل كتب الرحلات تؤكد هذا الرأي, فمن من جيلي لا يتذكر كتاب الأديب الراحل أنيس منصور200 يوم حول العالم, الذي ما زلت طبعاته متوالية حتي الآن! الكتب التي كتبها الدبلوماسيون ومن يعملون في سفارات بلادهم هي أيضا من المقروءة, مرجع ذلك رغبة الناس الفطرية في معرفة ما يدور خلف الأسوار المحروسة, التي يصعب الدخول إليها, ولعل الرغبة في معرفة ما يدور في دوائر الأمن والسجون خير دليل. وهكذا تظل المواضيع التي تعتمد علي التجربة الشخصية المباشرة تجذب القراء خصوصا تلك التي تعتمد علي دقة معلوماتها, وبساطة تناولها. كثيرة هي الإصدارات المصرية, التي ترجمت العديد من المواضيع التي كتبت بأقلام أجنبية, ولقد نالت الكثير من الاستحسان, ذلك لأن ما تلتقطه العين الوافدة يختلف دائما عما تلتقطه عين ابن البلد, ناهيك عن مخزون الوافد واختلافه عن ثقافتنا, لدرجة أن ما يستجد عليه يدخل في مجال الغرابة والطرافة. سفير بريطانيا في مصر, السيد جون كاسن يقول, في صفحة الأهرام المسائي الأولي, العدد8934: إن هناك48 سببا تجعل المرء يحب القاهرة! فهو يدون هذه الأسباب في تغريداته, التي يطلق عليها( هاشتاج) الذي تعتبر شكلا من الأطر المستخدمة في صفحات( التويتر). ولعل تفضيله لمترو القاهرة عن مترو لندن, وتعزيز رأيه بصور متعددة بمداخل المترو, مثلما تقول الصحيفة يؤكد أنه كتب رأيه معتمدا علي التجربة المباشرة من خلال عين ليست مصرية, التي تنتبه في الغالب إلي جماليات المكان الذي لا ينتبه المواطن إليها بسبب تعوده اليومي, ناهيك عن أسباب يصعب تحليلها. نحن لا نعلم شيئا عن47 السبب الباقية, لأنه لم يذكرها, غير أننا نتوقع أن نعرفها لاحقا. ولعلنا سنري, في المستقبل, كتابا يضم تجربة السيد السفير البريطاني, ونري جماليات ضاعت منا في الزحام, فعين المواطن, في الغالب, تلتقط السالب, ولا تنتبه إلي الإيجابي, والعجيب أن مثل هذه العين تحن أحيانا إلي السالب لأسباب يصعب تفسيرها! أذكر صديقا هاجر إلي سويسرا منذ ثمانينيات القرن الماضي, بسبب كثرة القبح في بلادنا مثلما قال لي ذات مرة, وقد سألته بعد مرور سنوات علي رحيله: إن كان يفتقد شيئا من بلاده ؟ فأجابني في الحال: أن أبصق علي الأرض من دون التفت يمينا ويسارا.. خشية أن يراني عجوز سويسري أحمق فيزدريني!. وتذكرنا,في تلك الجلسة, اهتمام بلادنا بجماليات المكان, من بعد استقلالها مباشرة, أي من خمسينيات القرن الماضي, وكيف كانوا يكتبون علي الجدران: لا تبصق علي تراب وطنك! فقد كان مضغ أوراق التبغ المجففة وسيلة كيف تتسبب في الكثير من البصاق! وخطر علي بالنا رأي فلسفي, واقعي تناوله عدد من الشعراء عن التراب! منهم شاعران عربيان, وثالث فارسي. ثلاثتهم تناولوا فكرة واحدة بشعر غاية في الجمال, فيقول المعري: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد.. وقبيح بنا وإن قدم العهد هوان الآباء والأجداد سر إن استطعت في الهواء رويدا.. لا اختيالا علي رفات العباد اما المتنبي فيقول: يدفن بعضنا بعضا وتمشي.. أواخرنا علي هام الأوالي غير أن عمر الخيام قدم المعني أكثر عمقا ورسوخا في النفس: كل ذرات هذه الأرض كانت.. أوجها كالشموس ذات بهاء إجل عن وجهك الغبار برفق.. فهو خد لكاعب حسناء