من بين آلاف الروايات التي تتضمنها كتب التراث عن أبي بكر الصديق تقف روايتان متناقضتان أشد التناقض بحيث إن تصديق إحداهما يعني بالضرورة نفي وتكذيب الأخري. الروايتان هما مجرد مثال لما يتضمنه أي كتاب من كتب التراث الإسلامي التي تضم الشيء ونقيضه بحيث تتحول الي ما يشبه محلات ألف صنف التي يجد فيها كل من يريد بغيته دون أن يستوقف النظر غرابة وتباعد وتناقض ما يحتويه المحل. يدخل هذا التناقض في باب المسكوت عنه حتي يحدث حدث يستدعي استخراج نص من كتب التراث دعما أو دحضا. وما يحدث في الأغلب الأعم أن النصوص تكون في خدمة الأمرين معا.. إباحة وتحريما ونفيا وتأييدا. النتيجة هي أن يضيع المسلم العادي دون معرفة الصواب أو أن يأخذ برأي يستهويه استنادا إلي أن فلانا قال به أو أنه ورد في كتاب فلان. أعدم تنظيم داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا وبث فيديو يصور عملية التحريق شاهده العالم كله واستهجنه, وتحدث عن وحشيته العالم كله الا قليلا. لكن الجدل الذي ثار في بعض الأوساط الإسلامية لم يكن عن بشاعة الفعل بقدر ما كان عن شرعية أو عدم شرعية ما حدث وعن الأدلة التي يستند اليها كل طرف في جواز أو عدم جواز استخدام النار كأداة للقتل. وشأن أي أمر برزت الروايتان اللتان سبق الإشارة اليهما وكل منهما تتعلق بأبي بكر الصديق. رواية تقول إن أبا بكر أحرق بالنار الفجاءة السلمي إبان حروب الردة التي أعقبت وفاة الرسول. رواية أخري تتحدث عن وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان قائد أحد جيوشه لا تقطعوا شجرا مثمرا ولا تخربوا عامرا ولا تذبحوا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكل ولا تغرقوا نخلا ولا تحرقوه. الرواية الاولي تنسب الي أبي بكر الذي سمع قول رسول الله في النهي عن القتل بالنار إن النار لا يعذب بها إلا الله أنه خالف أمر الرسول وأحرق انسانا حيا بالنار. الرواية الثانية تؤكد نهي نفس الرجل لقائد أحد جيوشه من بين وصايا كثيرة ألا يحرق نخلا. أي القولين يصدقهما ويتبعهما المسلم؟ إحراق رجل حيا أم النهي عن إحراق شيء من ممتلكات الاعداء بما في ذلك النخل؟ ما نسب الي أبي بكر من تحريق بالنار نسب مثله الي علي بن أبي طالب والي خالد بن الوليد. ليست المشكلة في تفنيد ومناقشة الروايتين ومثلهما لا يعد ولا يحصي وينسب بعضها الي الرسول نفسه ما يتناقض ويتعارض صراحة مع ما وصف به القرآن الرسول من الرحمة ومن حسن الخلق ومن عدم الفظاظة في الفعل والقول. لكن المشكلة في أن أحدا لم يكلف نفسه عناء مناقشة وتفنيد كثير مما ورد في كتب التراث متناقضا مع بعضه بعضا ومتناقض حتي مع ما ورد في القرآن الكريم. قصاري ما يحدث هو أن يخرج البعض كما حدث في الجدل الذي دار حول إعدام الكساسبة حرقا وهو حي لكي يقول إن سينا من الناس ممن ورد اسمه في سياق الرواية كاذب وفقا لما قاله سين آخر من الرواة, وكأنه مطلوب من المسلم العادي أن يكون ملما بكل أساليب الجرح والتعديل حافظا لاسماء كل الرواة صادقهم وكاذبهم حتي يكون علي بينة مما يقال وينشر ويذاع. يقود هذا بالحتم الي مسألة الحديث عن الخطاب الديني المعتدل وعن تجديد الخطاب الديني وهو حديث يدعو الي الضحك المبكي. ابتداء فإن المفهوم أن هذا الحديث موجه إلي دارسي علوم الدين وهم طلبة الأزهر وخريجوه, والسؤال هل يستقيم الطلب ممن درس هذه المتناقضات التي لم يتم تمحيصها والذي بحكم الطبيعة البشرية سوف يميل الي بعضها ويعزف عن البعض الآخر أن يقوم بهذا العمل؟ ويبقي السؤال الكبير وهو من يقوم بإعادة النظر في كثير مما تتضمنه كتب التراث مما قد لا يتفق مع صحيح الإسلام أهو الأزهر برجاله الذين شبوا وترعرعوا علي هذه الكتب وعلي أي أساس تتم المراجعة ومن أين تكون البداية.